¤عواطف محمد نواب£بدون¥مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض¨بدون¢1417هـ€تاريخ¶الجزيرة العربية
الخاتمة
حظي الحجاز بالعديد من الدراسات في الآونة الأخيرة، لما له من منْزلةٍ عظيمةٍ في نفوس المسلمين، واستخدمت كافة المصادر للإلمام بتاريخ هذه البقعة المهمة، ولكن الاعتماد على كتب الرحالة المغاربة والأندلسيين وإظهار أهميتها كمصدر مهم من مصادر تاريخ الحجاز لم تحظَ بالدراسة الكافية.
وقد اعتمدنا في هذا البحث على بعض كتب الرحالة المغاربة والأندلسيين لإظهار أهميتها والتأكيد على أنها من المصادر المهمة لتاريخ الحجاز، ولا يجب الاستغناء عنها، فخلصنا إلى عددٍ من النتائج سواءً منها ما يتعلق بالجانب العلمي أو الجانب الديني أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. فمن هذه النتائج التي استخلصت مما كتبه الرحالة المغاربة والأندلسيون:
الجانب العلمي:
1 - إن الإسلام دينُ علمٍ ومعرفة، فبرز من هذه الحقيقة الرحلة لطلبه فالرحلة قديمة قدم الإسلام نفسه، فتعدت أغراضها وغاياتها، خاصةً وأن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة حضا على وجوب السعي لتعلم العلم النافع. فظهرت الرحلة كوسيلة للعلم والإعلام منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأت تأخذ مساراتها المختلفة منذ تلك الفترة.
2 - إن العلم يتطلب السعي لنيله فقام العلماء بالرحلة لطلبه فلمعت أسماء بعضهم بفضل ما قاموا به من رحلات بجميع أهدافها وأغراضها.
وقد ترتب على ذلك شغف المسلمين بالرحلة وعرفوا وأتقنوا مختلف أنواعها، وهذا ينطبق على مسلمي المشرق والمغرب على حدٍ سواء، إلا أن مسلمي المغرب والأندلس انفردوا بنوعٍ فريدٍ من الرحلات هي الرحلات الحجازية، والتي أساسها أداء فريضة الحج والزيادة وطلب العلم، وقد أفرزت هذه الرحلات مذكرات ومشاهدات لهؤلاء الرحالة تكونت منها رحلاتهم التي أصبحت بمثابة موسوعة علمية مصغرة لما حوته من معلومات مهمة لكافة أحوال المسلمين في تلك الفترة، إضافةً إلى كونها سجلاً ضمن قوائم بأسماء علماء المسلمين البارزين الذي تخصصوا في مختلف العلوم مثل علم القراءات وعلم الحديث والفقه واللغة العربية والتاريخ والشعر والأدب. فالرحالة كانوا عبارةً عن عينٍ لاقطةٍ لما حولهم يستقطب اهتمامهم جميع الأمور وإن صغرت.
3 - ضمت مكة المكرمة جميع المذاهب الإسلامية بعلمائها الذين ساروا جنباً إلى جنب لدفع الحركة العلمية؛ إذ تبين من خلال ما كتبه الرحالة المغاربة والأندلسيون مدى مكانة مكة المكرمة العلمية التي وصل إشعاعها لكافة الأمصار الإسلامية، فمكة المكرمة مبدأ ومنتهى الحركة العلمية وحلقة الوصل بين المشرق والمغرب الإسلامي.
ففيها لمعت أسماء ومنها تنتشر الكتب إلى المشرق والمغرب على حدٍ سواء وهذا بفضل الوسائل المهيئة لنشر العلم من وجود العلماء والكتب وتبادلها فيما بينهم وانتشار المدارس والأربطة التي كانت عبارةً عن مساكن لطلبة العلم أقيمت بها مكتبات حوت نفيس الكتب التي كانت مدار الطلب في ذلك الوقت، فأكبوا على طلب العلم والنهل منه بعدما أُمِّنت حاجاتهم الأساسية من مسكن وغذاء ومرتبات بفضل ما كان يصل مكة المكرمة من الأعطيات والصدقات التي تُرسل من ملوك وأمراء وأغنياء المسلمين لتفرق عليهم هناك.