¤محمد صلاح الصاوي£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1412هـ€سياسة شرعية¶قوانين وضعية
الخاتمة
فلقد تمهد من خلال الفصول السابقة ما يقطع باجتماع كلمة السواد الأعظم، من العلماء والدعاة على عدم شرعية النظم الوضعية التي تقوم على رد الشريعة وتحكيم القوانين الوضعية، وعلى حتمية التغيير وإقامة الدولة الإسلامية.
ولقد رأينا أن هذا القدر يمثل إطاراً مقبولاً للسعي المشترك نحو هذه الغاية، دونما حاجة إلى التقحم في الدائرة الشائكة: دائرة إجراء الأحكام على المعينين، والتي قلَّ أن يرجع منها من استشرف لها سالماً!!
وإذا كانت مقتضيات المعركة وشراسة المواجهة تحتم على قادة العمل الإسلامي، أن يراجعوا كافة القضايا الخلافية التي عوقت جمع ردحاً من الزمن، وأتاحت لأعداء الإسلام وخصوم الشريعة أن ينفذوا من خلال هذه الفرجات إلى قلب العمل الإسلامي، يدسون ويمكرون، ويضربون هذه القلوب المؤمنة المجاهدة بعضها ببعض، فإن هذه القضية من أخطر القضايا التي حاول الخصوم استخدامها وتوظيف الخلاف فيها لتكريس الخصومات وتسعير نيرانها، وها نحن قد رأينا في هذا القدر ما يمثل إطاراً مشتركاً يمكن أن يجمع على قبوله من الكافة، ولو أننا تتبعنا سائر القضايا الخلافية للبحث عن الأطر المشتركة والمساحات المجمع عليها في هذه القضايا لتبين لنا، أن الخلاف الذي أضنى مسيرة العمل الإسلامي طيلة هذه الفترة لم يكن إلا رجساً من الشيطان، وبقية من حظوظه داخل نفوسنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن على مفكري الحركات الإسلامية المعاصرة أن يعيدوا كتابة هذه القضايا، بروح الحرص على تلمس مواضع الاتفاق وإبرازها، والتأكيد عليها، ثم الانطلاق منها لتدبر مواضع النظر، والتفريق بين ما كان مرده إلى تحقيق المناط أو تطبيق هذه الأصول على واقع قد يتفاوت الناس في توصيفه -بناء على اختلافاتهم في التفسير بعض جوانبه- فيتفاوتون تبعاً لذلك في تكييفه وإجراء الحكم عليه.
لقد آن للعمل الإسلامي أن يتجاوز واقع الفتنة التي فرَّقت شمله، وشتتت كتائبه، وضربت قلوب أتباعه بعضها ببعض.
لقد آن له أن يجتمع حول الجمل الثابتة في الكتاب والسنة، وأن يدرك أن نسبة من الخلاف لا بد أن تقع لا محالة تبعاً لما جبل الله عليه البشر من تفاوت في العقول والمدارك، وأن مواضع الاجتهاد لا يضيق فيها على المخالف، وأن أهل الكتاب قد تفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم فباءوا بالفشل والخيبة، وأن إحياء أدب الخلاف وتجديد مفهوم الأمة في ساحة العمل الإسلامي، وإشاعة العلم به من الضرورات الملحَّة في هذا لعصر.
وأن نصر الله لا يتنزل على هذه الشيع المتنافرة المتلاعنة، وأن العمل للإسلام لا ينهض بأعبائه ولا يقوى عليه فصيل واحد من فصائل العمل الإسلامي ومن هنا كانت حتمية التنسيق والتكامل، وأن التعدد المقبول في التجمعات الإسلامية هو تعدد التخصص والتنوع وليس تعدد التضاد والتنازع، وأن هذه الفصائل العاملة للإسلام في دائرة أهل السنة والجماعة أجزاء من جماعة المسلمين، وأن عليها جميعاً أن تسعى إلى إقامة هذه الجماعة بمفهومها العام والشامل.
إن آمال هذه الأمة في الإصلاح والتغيير منوطة بعد الله -عز وجل- بهذه الحركة الإسلامية المباركة، فهل يدرك القائمون على أمر هذه الحركة جسامة هذه المسئولية وعظم هذه الأمانة فيتداركون الأمر قبل أن يفوت الأوان؟؟!!.
ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد!!.