4 - يعتبر قرن حكم الجزية في الشريعة الإسلامية بفرية اضطهاد الذميين وانتقاص حقوقهم، أمراً مصطنعاً لا وجود له في أصل التشريع الذي أمر بالإحسان إلى كافة البشر – لا سيما الذميين منهم – في نصوص غاية في الصحة تم تنفيذها بحذافيرها في تاريخ مشرق للمسلمين إبان دولتهم الزاهرة.
5 - إعطاء حق التأمين للكفار عند دخولهم الدولة المسلمة يعتبر في أصل التشريع مما يجوز ممارسته لكافة الأفراد المسلمين، إلا أنه ولاعتبارات مستجدة مرتبطة بالأمن والمصلحة العامة ترجح لدى الباحث وجوب سلب هذا الحق من العامة كما جرى بذلك العرف العملي الراهن. ومثل ذلك يقال في تحديد مدة بقاء المستأمنين في الدولة المسلمة، خلافاً للاجتهاد الفقهي القديم والمعاصر في هذه المسألة.
6 - يظل الصلح هو الترياق الواقي للمجتمع من التصدع والانهيار في علاقاته الاجتماعية المتأزمة بعامة، وهو كذلك الخيار المعتمد الذي لا يجوز الحياد عنه عندما ينشب الصراع في المعترك السياسي، وإلا اصطلى الجميع بنار الخلافات والنزاع، الأمر الذي سيكون خصماً على الاستقرار والرفاه.
7 - يظل التعايش السلمي بين الأديان في ظل الدولة المسلمة أمراً ممكناً، وقد مرت تجربة عملية بذلك في تاريخ المسلمين؛ ذلك لأن لغير المسلمين من أهل الكتابين حقوقاً مرصودة في الشريعة الإسلامية، فالإخلال بها تقصير وتنكر للإسلام نفسه، إلا أن فرص نجاحات هذا الإمكان مرهونة بدرجات وعي المسلمين بدينهم إلى جانب عوامل أخرى.
8 - يشرع الصلح وعقد الهدنة أو اتفاق سلام مع الأعداء – مهما بلغت درجة عدواتهم – فيما إذا ضعف المسلمون وخافوا الاسطلام، وهذا الحكم هو الراجح مما دلت عليه نصوص الشريعة في هذه المسألة، طالما كان هذا الخيار محققاً للمصلحة العليا للمسلمين.
9 - إن تحالف المسلمين مع الكفار جائز في مجمله في سبيل صد عدو مشترك من غير المسلمين فقط؛ وذلك وفقاً لقاعدة دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما. غير أنه لا يجوز باتفاق أن يمتد مثل هذا الحلف لقتال مسلمين آخرين ولو كانوا بغاة خارجين؛ لأن عصمة الإسلام تظل باقية لهم مهما جاروا، فلا يصح أن تستباح حرمة دمائهم من قبل الكافرين.
10 - لا تمانع الشريعة في مجملها من الاشتراك في المواثيق الدولية إذا كان في إطار التعاون على البر، وما سوى ذلك من المواثيق والمعاهدات الدولية يجوز الاشتراك فيها شريطة التحفظ على البنود أو المواضع التي تخالف الشريعة.
11 - لكونه لم تشترك أي من الدول الإسلامية في وضع أو صياغة أي من المواثيق الدولية المعمول بها الآن، لذا فإن هذه المواثيق لا تخلو من مراغمة واضحة للشريعة الإسلامية في بعض تفصيلاتها، بل بدأت مرحلة جديدة في الدور الذي ينتظر أن تؤديه تلك المواثيق في ظل الظروف الدولية الراهنة فيما اصطلح على تسميته (بالعولمة)؛ إذ استغلت في الترويج للثقافة والرؤية الغربية، وطرح النموذج الرأسمالي كأسلوب للحياة، وفرضه على الناس عامة؛ لاسيما في المجال الاجتماعي، كما يبدو ذلك بوضوح في الاتفاقيات الخاصة بالمرأة والطفل، والتي وقعت مؤخراً برعاية الأمم المتحدة.