• أما مأخذ القائلين بالحرمة فيتمثل فيما تفضي إليه التعددية من تشرذم الأمة وتفرق كلمتها، وما تتضمنه من عقد الولاء والبراء على ما دون الكتاب والسنة، وما تتضمنه كذلك من الحرص على الولاية والتنافس في طلبها، وما تقتضيه المعركة الانتخابية من تزكية النفس والطعن في الآخرين، وما تعنيه من الخروج على الجماعة ومنازعة الأئمة، بالإضافة إلى انعدام السوابق التاريخية، وفشل التجارب المعاصرة، وخطأ القياس على تعدد الأحزاب العلمانية.
• أما مأخذ القائلين بالجواز داخل الإطار الإسلامي فيتمثل في أن هذا الأمر من مسائل السياسة الشرعية التي تعتمد الموازنة بين المصالح والمفاسد ولا يشترط لمشروعيتها أن تكون على مثال سابق، وأن الأصل في العادات والمعاملات الحل حتى يأتي ما يد ل على التحريم، وقاعدة الذرائع وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالتعددية أمثل طريق إلى تحقيق الشورى والرقابة على السلطة وصيانة الحقوق والحريات العامة، كما أنها الطريق إلى الاستقرار السياسي ومنع حركات التمرد والخروج المسلح، بالإضافة إلى بشاعة البديل وهو الاستبداد بالسلطة وما ترتب على ذلك عبر التاريخ من الإغراء بالقهر والتسلط، وأهم من ذلك كله أن كافة الأدلة التي ساقها المعارضون موضع نظر، وأن ما ذكروه من المفاسد منها ما يمكن تجنبه بالكلية، ومنها ما يمكن تقليله بحيث يبدوا مرجوحاً إذا ما قورن بما في التعددية من المصالح الراجحة، كما أن التعددية لا تعني بالضرورة التنافس على موقع الإمامة بل قد يكتفي فيها بالتنافس على موقع الوزارة (وزارة التفويض)
• أما مأخذ القائلين بإطلاق الإباحة فهو الاستشهاد بالفرق الإسلامية القديمة، وباستيعاب الإطار الإسلامي للمجوس والوثنيين واليهود والنصارى، وهو استدلال مردود لأن الفرق ظاهرة مرضية إن سُلِّم بوجودها فلا يُسلّم بإتاحة السبل أمامها طواعية لتكون في موضع القيادة، أما المجوس والوثنيون وأضرابهم ففرق بين أن تعقد لهم الذمة ليعيشوا كمتوطنين في المجتمع الإسلامي وبين أن يتاح لهم من خلال التعددية أن يكونوا أولي الأمر في الأمة، وأن يطبقوا مناهجهم الكفرية فيها.
سادساً: يمكن استيعاب التعددية داخل منظومة النموذج السياسي الإسلامي وذلك ببقاء منصب الإمامة على ثباته المعهود ليكون رمزاً لوحدة الأمة، ويكون التنافس على المنصب وزارة التفويض فيفوضها الإمام لأرشد تجمع سياسي يحوز ثقة الخبراء في المجلس الاستشاري العام الذي يضم صفوة العلماء والخبراء في مختلف المجالات ويحظى بتأييد الأغلبية أثناء المعركة الانتخابية، ويكون ذلك لميقات معلوم يعود الأمر بعده إلى الأمة لتجدد اختيارها في ضوء ما أسفرت عنه الإنجازات السابقة.
سابعاً: يمكن التغلب على آفات التعددية التي ساقها القائلون بالمنع بتثبيت منصب الإمامة ليكون رمزاً لوحدة الأمة وترشيح الأعضاء من قبل الأحزاب والتعريف بهم بواسطتها خروجاً من شبهة طلب الولاية وتزكية النفس، والتزام النقد بضوابط الحسبة منعاً للتهارج وتناكر القلوب، وبيان أن الاختلاف بين الأحزاب يدور في فلك المسائل الاجتهادية ومجالات الشورى التي لا تقدح المخالفة فيها في دين المخالف، ولا يثرب عليه فيها بهجر شرعي ونحوه ما دام قد صدر في مخالفته عن اجتهاد أو تقليد سائغ.
ثامناً: قدّم البحث نموذجاً لإطار سياسي إسلامي تستوعب في داخله التعددية يتمثل في الإمام، ومجلس الشورى (أهل الحل والعقد) ووزارة التفويض، والمجلس الاستشاري العام، وقدمت الدراسة بياناً بالاختصاصات التي تخول لكل منهم، وكيفية حسم الأمور عند التنازع.