فقه الابتلاء

¤محمد أبو صعيليك£بدون¥دار البيارق - الأردن¨الأولى¢1420هـ€رقائق وزهد وترغيب وترهيب¶ابتلاء ومحنة وصبر وشكر

وبعد هذه الجولة الطويلة التي تعرفنا على سنة من سنن الله تعالى في حياة البشر، وفي طريق الدعوات منذ بدء الخليقة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تلك هي سنة الابتلاء، تلك السنة التي جعلها الله تعالى في حياة البشر لتمحيص الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولتعرف بها أحقية الدعوات، وصدق توجهاتها، وصدق نوايا أصحابها، تلك السنة التي ما سلم منها داعية، ولا نجا منها مصلح، ولا تخلفت في حياة نبي، ولا غابت من حياة صادق، تلك السنة التي تخصصت في إظهار حسن معادن الرجال، وصدق طوايا النفس، تلك السنة التي ما برحت مسير الصادقين لحظة، فأظهرت فضلهم، وأنارت طريقهم، وأومأت إلى مواطن الخير في نفوسهم، تلك السنة التي تعجز الصحائف عن تعداد مفردات الخير فيها.

وقد وقفنا في هذا البحث عند معنى الابتلاء في اللغة والاصطلاح، وثم عرضنا لحكمة الابتلاء، ثم عرضنا لفوائد الابتلاء التي يستفيدها الإنسان في حياته سواء كان فردا بمفرده أو في جماعته، وهي فوائد جليلة عظيمة أشار إليها أهل العلم عليهم رحمة الله تعالى واقتبسوها من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم عرضنا لأنواع الابتلاء وهما اثنتان، ثم عرضنا للشدائد في حياة المسلم، وهي شدائد تحتاج إلى مزيد استعانة بالله تعالى، وحسن توكل عليه، وكثرة إقبال عليه سبحانه.

ثم عرضنا لما يجب على المسلم نحو الشدائد الخمس من لزوم اللجوء إلى الله، والتحلي بأعلى درجات الصبر ولزوم اتباع الحذر من حياته الدنيا، وليكن منهم العفو عمن كان سببا في وقوع إحدى تلك الشدائد والمحن به، ثم لزوم التحلي بتربية صادقة للنفس.

ثم عرضنا لأساليب الكفار في تعذيب المؤمنين، وهي أساليب قديمة حديثة، تتشابه في الدافع إليها، وقد رأينا خلال البحث منها الأذى في النفس بصورة من تشويه صورة الداعية، والاستهزاء بالمؤمنين، والتشكيك في شخصية المؤمن، واتهامه بالكذب والسفه والضلال والفساد، واتهامه بالسحر والكهانة والشعر، واتهامه بالنفعية وحب الزعامة، واتهامه بالعمالة لدولة أجنبية، والعمل على إيصال اليأس والقنوط إلى نفسه، ومنها الأذى في المال، بمحاربة المؤمن في رزقه ومصادرة أمواله وممتلكاته، ومحاصرته ومنعه من الاكتساب، ومنها منافعها، وتعذيبه بالنار وتعذيبه بالخنق، وإلقاء الأذى والقاذورات عليه إلى غير ذلك من صور الابتلاء في البدن.

كما عرضنا لصور الممارسات القاسية المشينة التي استعملها الكفار مع المؤمنين في العصر الحديث، وخاصة في روسيا أيام الشيوعيين، وفي الصين وتركيا وغيرها، ثم الأذى في النفس والمال والبدن معا ومن صوره: السجن والمطاردة والتهجير من الأوطان، ومنه أذى المؤمن في دينه، بمساومته على مواقفه، ومحاربته في مشاعره، وفتح الأبواب للأفكار المنحرفة.

ثم عرضنا لصور الابتلاء بالسراء من إقبال الدنيا والتنافس عليها، ونشوة النصر.

ثم عرضنا لما يعين على الابتلاء من عون الله تعالى بالذكر والدعاء والعبادة بصورها كالصلاة والصوم، ومن وجود التقوى التي تحمل الإنسان على القيام بالواجبات، وترك المحرمات، ومن المعينات كذلك الإرادة القوية التي تمنع صاحبها من الضعف أمام خصوم دينه، وأعداء فكرته، ومنها الاعتبار بأحوال البشر، ثم عرضنا للابتلاء بين المحنة والمنحة، فرأينا أنه في ظاهره محنة لكنه في باطنه نعمة ومنحة كبيرة لا يعلم مقدارها إلا من أكرمه الله تعالى بالثبات على أمره في مثل تلك الأحوال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015