26ـ إنّ دعوة النّصارى بالحكمة القوليّة إلى الإسلام تَقومُ على إبطال عقيدة التّثليث، وإثباتِ وحدانية الله ـ تعالىـ، وتقديم الأدلّة العقليّة والبراهين القطعيّة على إثبات بشرية عيسى e، وأنه عبد الله ورسوله، ثم تقديم البراهين على إبطال قضيّة الصّلب والقتل، وإثبات وقوع النّسخ والتّحريف في الأناجيل، وتتويج ذلك بالاعترافات الصادقة من المنصفين من علماء النّصارى.
27ـ إنّ من حكمة القول مع أهل الكتاب وغيرهم من الكُفّار أن تُقدَّم لهم الأدلّة والبراهين القطعيّة على صدق رسالة النبي محمد e، وذلك ببيان معجزات القرآن الكريم التي عجز عنها جميع الجنّ والإنس، ومعجزات النبي e الحسيّة المشاهدة، ثم تتويج ذلك بالأدلّة القطعيّة على عموم رسالة الإسلام في كل زمانٍ ومكانٍ إلى قيام الساعة.
28ـ إنّ من مُقتضى العقول السليمة والحكمة السّديدة أن لا يُخاطب المسلم ـ في توجيهه وإرشاده وحثِّه على الالتزام بدينه ـ كما يخاطب الملحد، أو الوثني، أو الكتابي، أو غيرهم من الكفّار.
29ـ إن من الدّعوة إلى الله بالحكمة أن يبدأ الدّاعية بالمهم، ثم الذي يليه، وأن يجعل للمدعو من الدروس ما يسهل عليه حفظها وفهمها، والتفكرّ التام فيها، وأن يُعلّم العوامّ ما يحتاجون إليه بألفاظ وعبارات قريبة من أفهامهم تناسب مستواهم مع مراعة التنويع في الأسلوب والتشويق.
30ـ إن مراتب الدعوة بحسب مراتب البشر، فالقابل للحق يُدعى بالحكمة، فيبيَّن له الحق بدليله: علماً وعملاً واعتقاداً، فيقبله ويعمل به وهذا هو القسم الأول من المسلمين، والقابل للحق الذي عنده شهوات تصده عن اتباع الحق يُدعى بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق والترهيب من الباطل، ويُغَذَّى بالحكمة التصويرية: من القصص الحكيم، وضرب الأمثال، ولفت القلوب والأنظار إلى الصور المعنوية وآثارها، والآثار المحسوسة. وهذا هو القسم الثاني من المسلمين وهم العصاة.
والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن.
والظالم الذي عاند وجحد ولم يقبل الحق بل وقف في طريقه، فهذا يُدعى بالقوة إن أمكن.
فهذه مراتب الدعوة بحسب مراتب البشر، ويلاحظ أن مرتبة الحكمة ملازمة لجميع المراتب الأخرى، وذلك لأن الحكمة في الحقيقة هي وضع الشيء في موضعه والإصابة في الأفعال والأقوال والاعتقادات إصابة محكمة متقنة.
31ـ إن استخدام القوة الفعلية في الدعوة إلى الله ـ تعالىـ من أعظم الحكم عند الحاجة إليها، وهي تكون بقوة الكلام، والتأديب، وبالضرب، وبالجهاد في سبيل الله تعالى.
ومفهوم القوة الحكيمة في الدعوة إلى الله تعالى ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: حكمة القوَّة مع جميع الكفَّار: من الملحدين، والوثنيين، وأهل الكتاب، وغيرهم من الكفار، فهؤلاء إذا لم ينفع فيهم جدالهم بالتي هي أحسن، ولم يستفيدوا من حكمة القول: العقلية والحسية، والنقلية، والبراهين والمعجزات، وأعرضوا وكذبوا، فحينئذ يكون آخر الطب الكي: وهو استخدام القوة بالجهاد في سبيل الله ـ تعالىـ: بالسيف، والسنان، والحجة، والبيان، وبجميع ما يستطيع المسلمون من قوة، بشرط مراعاة الشروط والضوابط الشرعية، مع الإعداد المعنوي والحسي للجهاد، والعمل بأسباب النصر على الأعداء.
القسم الثاني: حكمة القوَّة مع عصاة المسلمين، فهؤلاء، إذا لم ينفع فيهم الوعظ، والترغيب، والترهيب، والقصص الحكيم، وضرب الأمثال، ولم يؤثر فيهم ما يُلقى إليهم من الحكمة التصويرية، ولفت أنظارهم إلى الصور المعنوية والآثار المحسوسة، فحينئذٍ يكون من الحكمة في دعوتهم إلى الله استخدام القوَّة: بالكلمة القوية مع الفعل الحكيم، وبالتهديد الحكيم والوعيد بالعقوبة، وبالتعزير، والهجر لله ـ تعالىـ، وإقامة الحدود الشرعية بالشروط والضوابط التي دل عليها الكتاب والسنة.