المناداة بأخذ الإسلام جملة أو تركه جملة، فلربّما شقَّ على هذا المدعو الجديد الانصياع ـ في أوّل إسلامه، أو أوّل استقامته ـ إلى أوامر الإسلام كلّها، أو ترك نواهي الإسلام كلّها.
ومن حيث مراعاة المصطلحات الحديثة، الأيديولوجيّة منها، والاجتماعية، والسياسيّة وغيرها.
ومن حيث مخاطبة المدعو بما يعرف، ومن خلال ما يفكر فيه، وما يحبّ، وما يكره، ومن خلال مستوى بيئته التي يعيش فيها، فإنّ ذلك أدعى إلى استجابته واستمالته، حتى يكون فهمه أسرع.
كما ينبغي استعمال لغة العصر في مداخل الدعوة:
من حيث العناية بالجوانب التي فيها جاذبيّة أكثر من خلال جودة الإخراج الفني لأعمال الدعوة، والعناية بالإطار العام والخارجي لها، فإنّ الحق بنفسه جذّاب، وعليه مسحة من جمال لكن لربّما أثّر الداعية بأسلوبه السيئ على جاذبيّة الحقّ الذي يحمله، أو على جمال الحق الذي يحمله فكان حاجزاً بدل أن يكون سراجاً مضيئاً.
ومن حيث العناية بالهموم العامّة للأمّة وللمدعو، والمشكلات التي يعانيها، ومحاولة تذليلها ما أمكن، فإنّ ذلك هو السبيل المناسب للتأثير في المدعو واستمالته إلى الداعية.
6ـ أنّ حال الداعية في دعوته، كحال المزارع في زراعته، فإنّ المزارع يقوم ببعض الأعمال الإجرائيّة والاحتياطيّة قبل الزراعة، وفي أثنائها، وبعدها حتى تكون زراعته صالحة، ومنها:
أنّه يختار الأرض الصالحة للإنبات، ومن ثمّ يقوم بتسويتها وتعديلها… وبعد ذلك لا يلقي البذر، ولا يغرس فسيلة إلاّ في الأوقات الصالحة للغرس، ثم بعد ذلك يتعاهد هذه البذرة والفسيلة بالرعاية والسقاية، وبإذن الله تمرّ هذه النبتة بمراحلها الزراعيّة المعروفة، فإذا ماخرجت الشجرة قام المزارع بحمايتها من آفات البيئة ومشكلاتها، ولذا يقوم برشّها بالمبيدات…إلخ، إلى أن تنتج هذه الشجرة تلك الثمرة فيأكل الناس.
والداعية لا يكون همّه أن يلقي بكلمته، فلربّما كان لهذه الكلمة الملقاة أثراً مستقبلياً، ولربّما كانت هباءً كحبّة البذر إذا ما ألقاها المزارع في أرض فلاة، ولم يتعاهدها، وربّما ساقتها الرياح إلى أرض صمّاء لا تصلح لزراعة، وربّما لم ينزل عليها المطر، ولذا تكون نهايتها قريبة وسريعة.
إنّ الداعية الناجح هو من يحرص على دعوة الناس عموماً، وعلى اختيار العيّنة المناسبة لغرس الدعوة المركّزة من خلالها، فالناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة، فبعد اختيار عيّنة المدعو من سائر الناس، تقدّم الدعوة له من خلال عامل الهدم والبناء، هدم الباطل الذي يحمله، وإقامة بناء خير جديد صالح له، وليس هناك نصٌ صحيح صريح يوجب تقدّم أحد هذين الأسلوبين على الآخر، لكن يرتكب ألطفهما بحال المدعو، من خلال عامل الترهيب والترغيب، ومن خلال لفت نظره إلى ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان السويّ، كيف خلق، ولماذا يسير؟.
إنّ الداعية ينبغي عليه أن يقرأ في صفحات وجه المدعو، وعلى محيّاه مدى استجابته من عدمها، ومدى قربه من بعده، وعلى ضوء هذا يحدّد مستواه، ويتقدّم أو يتراجع، ويحاسب طريقته التي يسير فيها.
7ـ إنّ على الداعية أن يدين الله باتخاذ أفضل الأساليب في حقّ المدعو، التي تناسبه، وأن ينوّعها، وأن يجتهد في الدعوة والرعاية والنماء والتربية، وأن لا يتشدّد في ضرورة استجابة المدعو للحق، فإنّ استجابة جميع المدعوين للداعية لم تتحقّق للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم المعصومون، والمبلغون عن الله تعالى، فإن هداية التوفيق والإلهام خاصّة بالله سبحانه، وما على الداعية إلاّ الاجتهاد في حدود هداية الدلالة والإرشاد، وعلى الداعية أن لا يضجر في عدم الاستجابة له في أوّل وهلة، أو في المرّة الثانية، بل عليه أن يدعو، وأن يكرر الدعوة، وأن يختار لها الأساليب المعينة لقبولها، وأن يبتعد عن الأسباب المانعة لقبول دعوته ما أمكن، ويفوّض أمره إلى الله تعالى.
هذه أهمّ النتائج التي توصّلت إليها في هذا البحث، والله أسأل أن ينفعنا بما علّمنا، وأن يزيدنا علماً، وأن يعيننا على القيام بحقّه فيما كلّفنا. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.