أ- حاجة البشرية كلها إلى نظام شامل ومتكامل، وذلك أن البشرية في كل زمان ومكان تحتاج إلى الرقي المادي والمعنوي معاً، أما في الآونة الأخيرة، فقد تحقق لها رقيها المادي، وبلغت فيه شأواً بعيداً استطاعت أن تعرج إلى بعض الأجرام السماوية، وتنسمت الحياة عليها، ولكنها ظلت جوعى إلى رقيها الأدبي والمعنوي، لتعيش حياتها بطبيعتها الإنسانية، المكونة من الجسد والروح، بحيث لا يكون ثمة تجاوز على الروح لصالح الجسد، أو تضييق على الجسد لصالح الروح، بل يعطي كل جوهر منها حقه بالقسطاس المستقيم، وما عرف نظام على وجه الأرض غير الإسلام، يقدر أن يحقق للبشرية هذا التوازن والاتزان بين هذين الجوهرين، إذ لا يهمل شقها المادي، ولا يغفل جانبها المعنوي، وإنما يوائم بينهما، حتى ترتقي البشرية بشقيها، دون أن يهبط جانب منها، وتتقدم بكل قواها وطاقتها دون أن يتخلف جزء منها.
ب- اتساع التشريع الإسلامي لكل حادث ونازل، وذلك بفضل ما يمتاز به من الثبات والمرونة، فثباته منصب على الأمور الخالدة خلود الجبال الراسيات، والتي تدوم وتبقى بقاء الأرض والسماء، كالكليات, والجواهر, والأهداف, والغايات، والأركان, والواجبات، ومرونته مرتكزة على الأمور المتغيرة والمتبدلة تبدل الليل والنهار، وتغير الظروف والأحوال، كالفروع والجزئيات، والوسائل والأساليب. فبثباته على الجواهر والكليات، استعصى على الذوبان والخضوع لكل تطور صالح وفاسد، وبالمرونة في الفروع والجزئيات، استطاع أن يواجه كل بيئة وظرف، ويعالج كل حادث ونازل، ويتصدى لكل تغير وتطور، فيقر منه ما كان نافعاً ومفيداً، ويتفق مع اتجاهه ولا يخالفه، ويرد منه ما كان فاسداً وضاراً.
ج- قدرته على إصلاح ما أفسدته النظم البشرية، ذلك أن النظم الوضعية التي صنعتها يد الإنسان، لا توصف بالصحة المطلقة، والاستقامة الكاملة، فيكتفى بها عن بديل آخر، ولهذا وجدت ثمة مفاسد وأضرار احتوت عليها هذه النظم، وعجزت هي نفسها عن إدراكها وتفاديها، بينما أدركها الإسلام ودفعها منذ أربعة عشر قرناً؛ إذ لم تكن لتخفى عليه مصلحة راجحة من المرجوحة، أو مفسدة غالبة من اليسيرة، وهو صادر عن الله تعالى الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
توصيات:
1 - موضوع (واقعية التشريع الإسلامي) كبير جداً، من الصعب أن تستوعب كافة جوانبه في رسالة مختصرة، إذ ما من نظام من أنظمة الإسلام المختلفة، وأهدافه، سواء كان عقيدة أو عبادة أو معاملة، وما تناولته في هذا البحث يعد مجرد إلمام للموضوع، أشبه بمن يغترف من ماء البحر.
2 - لابد من مضاعفة الجهد في دراسة مزايا الإسلام وخصائصه الكبرى؛ لأن ذلك يجعل الإسلام أكثر نصاعة ووضوحاً، ويزيد المرء يقيناً بأن هذا المنهج أحق بالاحتذاء والامتثال مما سواه، وهذا ليس لسبقه المتميز في كل مجال، بل أيضاً لبلوغه رتبة الكمال في النظر والتطور، وسلامة مبادئه كلها من التناقض والتضاد، الذي اشتملت عليه النظم البشرية فهدمت آخرها ما بناه أولها، فما كان حراماً بالأمس أصبح حلالاً اليوم، وكذا العكس.
3 - بما أن ظاهرة الانحراف من الظواهر التي ترتفع نسبتها في أكثر من مجتمع، رغم وجود الوسائل المانعة منها، فإن ذلك لا يرجع إلى صعوبة تلك الظواهر في القضاء عليها، والحد منها، وإنما ذلك راجع إلى عدم جدوى هذه الوسائل، وفقدانها القوة الضرورية الكافية للحد منها، ووضع الخناق عليها، بينما وسائل الإسلام بواقعيتها استطاعت أن تقضي على الجرائم قضاء مبرماً طيلة أربعة عشر قرناً؛ لما فيها من قوة الكبت والمنع ما يبطل الدوافع إلى الإجرام والبواعث لها، فهي بحق زواجر قبل الإجرام، ومانع بعدها، ومن هنا وجب على المسلمين المصير إليها، والالتزام بها؛ ليتحقق لهم ما يصبون إليه من الأمن والأمان في الأنفس والآفاق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آهل وصحبه أجمعين.