¤محمد عز الدين توفيق£بدون¥دار السلام - القاهرة¨الأولى¢1418هـ€فلسفة ومنطق وعلم نفس¶دراسات توثيقية ومنهجية
خاتمة
لقد انتهينا في هذا البحث إلى عدة نتائج مبثوثة في فصوله ومباحثه وستطول هذه الخاتمة لو أردنا استعراض تلك النتائج، لذلك سنكتفي باستعراض جملة من المشاكل والعوائق التي تواجه هذا المشروع العلمي نسوقها لمن يريد المساهمة بالبحث فيه.
إن من المفيد حقًّا بعد هذه الصفحات التي دافعنا فيها عن مشروعية علم النفس أولاً ومشروعية التأصيل الإسلامي لأبحاثه ثانياً وقدمنا ملامح الوجهة الإسلامية للبحث في النفس الإنسانية ... من المفيد بعد هذا أن نجرد من أنفسنا أنفساً أخرى تقف موقف المعارض للمشروع المنتقد لفكرته والمتتبع لكل العوائق الموجودة والمحتملة بقصد البحث عن حلول علمية ناجعة لها.
إن قيام أبحاث ودراسات نفسية ذات توجه إسلامي ليس موقفاً سلبيًّا من علم النفس ولكنه موقف إيجابي يدعم مشروعية هذا العلم في البيئة الإسلامية ويوجهه الوجهة الملائمة لهذه البيئة.
إن المنادين بهذا المشروع والعاملين له يتحدثون عن عمل علمي وحضاري ممكن التحقيق رغم الإشكالات المنهجية التي لا زالت موضع تداول ونقاش وقد جاءت الرسالة في ثلاثة أبواب كل واحد منها حاول أن يؤصل لجانب من ثلاثة جوانب لابد أن يشملها التأصيل الإسلامي لعلم النفس وللعلوم الاجتماعية بصفة عامة وهي التأصيل الشرعي والتأصيل العلمي والتأصيل التاريخي.
ونعود إلى العوائق التي قلنا إنها تعترض هذا المشروع لنذكر منها:
1ـ إن المشاركة في إنجاز هذا المشروع العلمي يحتاج إلى أمور ثلاثة تقدمت معنا من قبل هي:
أـ إلمام واسع بعلم النفس ودراسة متخصصة فيه، مع منهجية في التعامل مع أبحاثه، وقدرة على تكوين الرأي المستقل بعد الاطلاع والقراءة.
ب ـ إطلاع وافٍ على الإسلام، وإدراك لخصائصه ومقاصده، ومعرفة الحدود الفاصلة بين ما يُعلَم من طريق الوحي وما يُعلم من طريق العقل.
جـ قدرة على الإبداع والابتكار عند التحليل أو المقارنة أو إجراء التجارب، وموضوعية صارمة، وتمسك قوي بالمنهج العلمي في أساسياته المشتركة وخصوصياته داخل كل علم إلى جانب الأخلاق العلمية والأعراف الأكاديمية.
وأسلوب التدريس في معظم الجامعات بالبلاد العربية والإسلامية لا ينمي هذه القدرات الثلاث خاصة القدرة على الابتكار والانتظام في سلك العلماء والباحثين فلا زال التلقين هو الأسلوب السائد في مختلف مراحل التعليم ولا زال الطالب يرتبط بالدراسة من خلال محاضرات الأساتذة وامتحانات آخر العام، مما يجعل ظهور باحثين مقتدرين محدوداً وقليلاً.
2ـ ضعف الحوار بين المشتغلين بالتأصيل الإسلامي وجمهور المشتغلين بعلم النفس.
ولعل ذلك راجع إلى قلة الفريق الأول من جهة، وضعف أدوات التواصل من جهة ثانية، والمكانة الاجتماعية التي يشعر بها أساتذة علم النفس والأطباء والنفسانيون من جهة ثالثة وهي مكانة حشرتهم في داخل الوجه السائدة حالياً.
ومن النقاط التي تحتاج إلى حوار بين الفريقين:
أـ ما هي مآخذ المعارضين؟ وما هي تحفظاتهم؟ وإلى أي مدى يمكن القبول بالفكرة والعمل لها؟
ب ـ ما هي التصورات المختلفة للمشروع وكيف يراه كل واحد؟
ج ـ كيف يكون التنسيق بين الباحثين في المشروع؟
د ـ هل يمكن إجراء حوار موضوعي رغم الاختلاف في الموقف من المشروع؟
3ـ ثقافة المجتمع واختياراته الاقتصادية والسياسية.
فالمشاكل التي سيواجهها الباحثون في إطار هذا المشروع هي نفسها المشاكل التي يعاني منها البحث العلمي في بلاد المسلمين، فإزاء التسهيلات، والتقدير الاجتماعي والتمويل، والحرية التي يتمتع بها الباحثون في البلاد المتقدمة، نجد ظروفاً مختلفة تسود الوسط العلمي والأكاديمي في البلاد الإسلامية.
البحث العلمي ـ حتى يتقدم ـ يحتاج إلى تخصص ومعامل وبحوث ووسائله هي الأستاذ والطالب وأدوات البحث، وكل ذلك غير متوفر بالشكل المطلوب في أكثر الجامعات العربية والإسلامية.
ويبدو أن حل هذا المشكل مرتبط بتغيير اجتماعي شامل، بيد أن هذا يتجاوز. . .