¤وليد بن صالح الرميزان£بدون¥روافد - بيروت¨الأولى¢1430هـ€فكر إسلامي أو عربي¶نقد كتاب أو فكر
الخاتمة:
اتضح لنا مما سبق استعراضه في الفصول السابقة لهذا البحث أن الليبرالية مفهوم عائم وغامض، وتتعدد تعريفاته بتعدد الباحثين، وبحسب الزاوية التي ينظر منها كل باحث ومهتم بها؛ إلا أنه بالإمكان فهم الليبرالية كرؤية فلسفية من خلال تتبع تطورها التاريخي ودراستها أبستومولوجيا من خلال فهم المبادئ والقيم والأسس التي تشكل البناء الفلسفي لليبرالية، وبتتبع ظروف نشأتها التي كانت نتاجاً للتاريخ الغربي وظروفه السائدة في بدايات ما يسمى عصر النهضة، ويمكن القول إن الليبرالية تطورت في بعض الأحيان، وغيرت أطروحاتها حسب احتياجات المجتمع الغربي.
واتضح أن الخطاب الليبرالي العربي يؤكد على أن روح المنهج الليبرالي الحضاري والمبادئ التي يقوم عليها ستقود بشكل تلقائي وحتمي إلى تطور المجتمع وتقدمه؛ بمعنى أن النهضة والتحديث والإصلاح وفقاً للنموذج الغربي تفضي حتماً إلى التقدم؛ ولذلك فقد بنى رؤيته النهضوية على افتراضات أوَّلية مطلقة، ترتكز على أن الواقع العربي المتَشكِّل ذاتياً من خلال التراث بواقع متخلِّف ومتأخر عن مسارات العصر الحديث؛ ولذلك فإن أخذ أسباب التقدم وتطوير الواقع يجب أن يرتكز على النموذج الغربي، ويستمد مقوماته الأساسية منه، لأن النموذج الغربي يتضمن جميع عناصر التقدم.
وعلى الرغم من أن ملامح التيار الليبرالي في دول الخليج العربية - من ناحية تاريخية - موجودة منذ النصف الثاني من القرن العشرين من خلال بعض الجمعيات والتيارات السياسية، إلا أن التيار الليبرالي ظهر في دول الخليج العربية بوضوح خلال حقبة ما بعد حرب تحرير الكويت، كما مثَّلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقطة ارتكاز جديدة جعلت الخطاب الليبرالي في دول الخليج العربية يظهر بقوة، ويصبح صوته مسموعاً، كما استطاع التيار الليبرالي في دول الخليج توظيف الصحافة ووسائل الاتصال الحديثة - كالإنترنت - في عملية الاستقطاب الفكري، ونشر المبادئ والأفكار، والدفاع عن قضاياه.
وقد اتضح من خلال تحليل مضمون الخطاب أن هناك مجموعة من المسلَّمات تحكم الخطاب الليبرالي الخليجي، أبرزها:
1 - أن الثقافة سبب جوهري للتخلُّف؛ فالنهضة لدى الخطاب الليبرالي الخليجي لا تتحدَّد بالظروف الموضوعية السياسية أو الاقتصادية أو القانونية فقط؛ فكل العوامل النابعة من خارج الذات لا قيمة لها، إن لم تتوفر إرادة النهوض والموقف الذهني الفردي أو الجماعي من قضية التغيير. فالثقافة السائدة ومفاهيمها المسيطرة على العقول تقف دون الاستفادة من العوامل الموضوعية المتاحة، وهي أن اللحظة الليبرالية حتمية، وإن لم تكن بسبب عوامل وتغيرات داخلية فإن الزحف الحتمي للعولمة قادر على فرضها في كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية.
2 - وأما المسلَّمة الأخرى - وإن كان يحاول أن يخفيها الخطاب الليبرالي الخليجي - فهي العلمانية، وهي في بنية الخطاب تشكل المقدمة الأولى للتقدم الذي لن يتم إلا بعزل السياسة عن الدين؛ فالعلمانية لدى الخطاب الليبرالي الخليجي هي أساس البناء الليبرالي. ويرتبط بالعلمانية مسلَّمة النسبية في بنية الخطاب الليبرالي الخليجي؛ حيث تمثِّل المدخل الوحيد الذي يمكن أن يجعلها قادرة على منح المفاهيم والقيم والفكر الليبرالي الشرعية في البيئة العربية الإسلامية، وتجعله قادراً على إعادة تفسير الإسلام بما يتوافق مع رؤيته الليبرالية.