وهذا ما تتجه إليه وتطبقه الاجتهادات والنظم القضائية المعاصرة في الدعاوى المدعي عليه إحدى جلسات المحكمة وتغيب بعد ذلك، أو لم يحضر أي جلسة، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن، وتصدر الحكم في حق المدعي عليه غيابياً بمثابة الوجاهي. أي: وليس له حق الاعتراض على الحكم الغيابي أو الطعن فيه، سوى عن طريق درجة أعلى هي محكمة الاستئناف ...
وأما في الدعاوى الجزائية: فقد ذكرت المراجع القانونية: أنه إذا حضر المدعي وتخلف المدعي عليه، ولم يرسل وكيلاً، ولم يبد عذراً مشروعاً، عد هذا المتخلف متمرداً، وإذا طلب المدعي الحاضر محاكمته غيابياً يجاب طلبه، بدون حاجة لدعوته ثانية، وتعتبر المحاكمة الغيابية بمثابة الوجاهي، وللمحكوم عليه غيابياً أن يعترض على الحكم في ميعاد خمسة أيام، تضاف إليها مهلة المسافة ابتداء من اليوم الذي يلي تبلغه الحكم، وذلك باستدعاء يرفعه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم. وللمحكوم عليه غيابياً أن يلجاً أيضاً للطعن في محكمة الاستئناف قبل الاعتراض عند المحكمة (الأدنى) المصدرة للحكم. وإذا قبل الاعتراف أو الاستئناف شكلاً، اعتبر الحكم الغيابي كأنه لم يكن ...
هذا، وقد ذكرت الاتجاهات والنظم القضائية: أن مبدأ الحكم على الغائب في القضايا المدنية والجزائية هي الجاري والمعمول به عند جميع الدول المتمدنة، إذ ليس من الإنصاف أن يبقى حق المدعي رهناً على مشيئة المدعي عليه، ولا من الحكمة أن يجلب المدعي عليه إلى المحكمة بالقوة القاهرة، ويكفي أن تترك له حق الاعتراض على الحكم الغيابي إذا صدر عليه ()، بحسب نوع الدعوى ودرجة المحكمة كما تبين آنفاً.
وصدق الله العظيم القائل: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
والحمد لله رب العالمين.