6 - إن هناك قرائن قوية قاطعة مستندها الاعتماد على سنن الله في الكون وخواص المواد ومميزاتها التي منحها الله عز وجل لهذه المواد، يجب الاعتماد عليها في الإثبات لأنها تحقق الحق وتظهره، وإن عدم اعتبارها فتح لباب الشر والفساد وإغراء للمجرمين وتسليطهم على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم – بعد أن تقدمت الجريمة بما يناسب روح العصر – واتهام للشريعة بالتقصير وعدم مواكبة التقدم العلمي والفكري للبشر ويجعلها تعيش في عصر غير عصرها وأوان غير أوانها، ومن هذه القرائن البصمات وتحليل الدم.

7 - إذا تعارضت القرائن القوية القاطعة مع القواعد الشرعية الثابتة كالفراش وأيمان اللعان، فإن العمل يكون بحسب هذه القواعد وتلغى القرائن لأنها صارت مع هذه القواعد بمنزلة أضعف الدليلين مع أقواهما، وأما إذا خلت هذه القرائن عن المعارض القوي فتبقى على أصلها في العمل والاعتبار.

8 - إن القرائن الضعيفة لا يعمل بها ولا تعتبر حجة من حجج الشرع ولا وسيلة من وسائل الإثبات، وإن كان يمكن جعلها دليلاً أوليا يرجح بها جانب على جانب لا دليلا قويا مستقلا، فبناء على هذا لم نعتبر دلالة كلاب الأثر والتسجيل والتصوير حجة في الإثبات لأنها قرائن ضعيفة ترد عليها احتمالات كثيرة تضعف دلالتها وتوهي حجتها.

9 - إن الراجح اعتبار قرينة الحمل من غير زوج دليلا على الزنا تحد المرأة بموجبها إذا لم تدع إكراها وغصبا، وأن اللقطة تدفع إلى واصفها إذا أصاب حقيقة الصفة، وأن سكوت البكر علامة على رضاها وقبولها، وأن وجود المسروقات في حوزة شخص دليل على أنه السارق فيضمن المال وتقطع يده إذا لم تشهد له البينة أو القرائن بغير ذلك.

وأن رائحة الخمر دليل قوي على شربها يحد بموجبها وخصوصا بعد أن أصبح سهلا ميسرا معرفة شربه للخمر بتحليل دمه والكشف عن الكحول فيه.

وأن القيافة طريق معتبر لإلحاق النسب ويمكن التأكد من قول القائف بتحليل الدم ومعرفة فصيلة دم الأب والأم والولد، فإن وافق التحليل قول القائف فبها ونعمت وإلا قدمت نتيجة تحليل الدم المبنية على أسس علمية ثابتة أودعها الله الإنسان في حين أن القائف يعتمد على خبرته ونظره المجرد.

10 - إن أهل القانون يتميزون بالترتيب والتنظيم وهذا يدعو علماء المسلمين وفقهاءهم الذين هم أولى بهذا الترتيب والتنظيم وأحق إلى تكثيف جهودهم وصياغة أحكام الشريعة بما يناسب روح العصر ومقاصد الشريعة مستفيدين من الإمكانيات الهائلة المتوفرة من التقدم العلمي والتجربة التي توصل إليها الفكر البشري لتيسير تطبيق الشريعة وقطع الطريق على من يدعون أن العالق عن تطبيق الشريعة هو عدم وجود قوانين شرعية مصاغة صياغة عصرية تسهل على القاضي تطبيق الأحكام دون الرجوع إلى كتب الفقه والبحث عن الحكم الذي يكلف وقتا وجهداً.

11 - عند إعادة البحث لكثير من المسائل الفقهية التي جرى فيها خلاف بين الفقهاء ودراستها من جديد بروح هذا العصر ومعطياته في إطار روح الشريعة ومقاصدها سيستقر الأمر في معظمها على رأي واحد وخصوصا بعد أن دونت السنة وصنفت وعرف صحيحها من سقيمها، وقعدت القواعد وحررت الآراء وأسباب الخلاف، وتقدم الفكر البشري وظهرت الاكتشافات والتجارب التي توضح وتبين كثيرا من الغموض في كثير من المسائل وتقف بنا على عين الحقيقة، فمثلا جرى الخلاف بين العلماء في حد من شمت منه رائحة الخمر وتمسكوا بهذه الشبهة ودرأوا بسببها عنه الحد مع أن هذه الشبهة تتلاشى الآن لأنه أصبح بالإمكان معرفة هل الشخص قد شرب الخمر أم لا؟ سواء أخرجت منه رائحة الخمر أم لا، وذلك عن طريق تحليل دمه والكشف عن الكحول فيه، والنتيجة التي نحصل عليها دقيقة جدا، فيحلل دم هذا الذي شمت منه الرائحة فإن ظهر بعد التحليل أنه قد شرب الخمر فقد زال الشك باليقين ويحد بهذه القرائن القوية، الرائحة وتحليل الدم.

فلذلك بقاء الخلاف في هذه المسألة لا مسوغ له بعد زوال الشبهة والتحقق من حقيقة الرائحة، وقل مثل هذا في مسائل كثيرة يستخدم العلم الحديث في إظهار حقيقتها وبيان الحق فيها، وهذا يؤدي كما أسلفنا إلى استقرار الأمر في كثير من المسائل التي جرى فيها الخلاف على رأي واحد يمكن اعتماده عند صياغة أحكام الشريعة على هيئة قوانين جاهزة للتطبيق.

والله من وراء القصد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015