رابعاً: قياسهم عدل الله على عدل الخلق مع إيمانهم بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
ثامناً: صح تسمية النعم التي يجعل الله بها للمؤمنين بسبب إيمانهم ثواباً، والنقم ابتلاء، وكذلك العذاب والهموم التي تصيب الناس عموماً بما كسبت أيديهم عقاباً، ولهذا قال السلف وأهل السنة بجواز حصول الثواب والعقاب في دار الدنيا، وخالف بعض المعتزلة هذا وزعموا أن لا ثواب ولا عقاب إلا في دار الآخرة!! وسبب الخلاف ناشئ عن الاختلاف في تعريف الثواب والعقاب، فمن اشترط خلوص الثواب من الكدر، قال: إن هذه المعاني لا تتحقق إلا في دار الآخرة، ومن لم يشترط ذلك، قال بتداخل الثواب والعقاب.
والذي نراه، أن الإجماع قائم على أن الآخرة بداريها الجنة والنار هي المقر الحقيقي لسرمدية الثواب والعقاب، وأنه لا مانع من تسمية نعيم الدنيا ثواباً، وهمومها وآلامها عقاباً، ومما يؤيد ذلك ويدعمه أن الله سبحانه سماه ثواباً فقال تعالى: {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} وقال تعالى: {فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فسمى الله نعيم الدنيا ثوابا ولم يشترط سرمديته، إلا أن المعتزلة غالباً ما يطلقون الاصطلاحات على معاني تتلاءم مع منهجهم العقلي. ولو أنهم تأملوا معاني القرآن الكريم بجانب ما آتوا من عقول سامية لاتفقوا مع غيرهم، وجنبوا المسلمين بلاء كثيراً.
وكذلك سمى الله ما يصيب الناس في الدنيا عقاباً فقال تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} وقال تعالى: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} فسمى – سبحانه – ما أصابهم من عذاب في الدنيا عقاباً، وهذا بين ولله الحمد والمنة.
تاسعاً:
ويحق لنا أن نأخذ على جميع المدارس ما عدا السلف طبعاً عدم رجوعهم إلى الوحي بشقيه – الكتاب والسنة – جملة واحة بمنهج علمي أحصائي شامل، بدلاً من أخذه أحياناً وتركه أحايين، أو الرجوع إليه بناء على أصول عقلية سبق تقعيدها قبل النظرة الشاملة فأعطى نتائج غلب عليها الخطأ وعدم النضوج. وهذا ما حصل تماماً، عندما خاضت كل مدرسة غمار المشكلة قاصدة الوصول إلى الحقيقة، فمنهم من أصاب. ومنهم قارب، ومنهم من لم يحصل المقصود، وما سبيل النجاة عنهم ببعيد.