أولا: كون الجماعة الواضعة له تراعي غالبا في صياغتها للقانون مصالحها الشخصية، فإذا ما تغيرت تلك الجماعة وجاءت بعدها أخرى لابد من تغيير القانون حسب مصلحة الجماعة الجدد وهكذا، بخلاف الشريعة الإسلامية فإنها لم تولد طفلة، وإنما جاءت من عند الله كاملة لا ترى في أحكامها عوجا ولا نقصا، قال الله في حقها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} [المائدة: 3]. ولم تأت الشريعة لجماعة دون جماعة أو لدولة دون دولة أو لقوم دون قوم أو للرؤساء دون المرؤسين، وإنما جاءت من عند الله للناس كافة على اختلاف مشاربهم وتباين عاداتهم وتقاليدهم.

ثانيا: ولقصر إدراك الواضعين للقانون تظهر تناقضات في كثير من فقراته ويهمل كثيرا من الأحكام.

والذي تخيله رجال القانون ولم يستطيعوا إدراكه هو الشريعة الإسلامية، وأكبر دليل على ذلك أنك لا ترى حكما فيه نوع من العدالة والمعقولية إلا والشريعة سبقت في الحكم به والدعاء إليه ومن درس نشأة القوانين الوضعية يجدها متأثرة بالشريعة الإسلامية وبالأخص القانون الفرنسي الذي اعتمد فيه واضعه، على تبصرة الحكام لابن فرحون المالكي. وإن كانوا غيروا كثيرا من الأحكام المأخوذة من التبصرة.

ثم إن الجماعة هي التي تلون القانون بأعرافها وتقاليدها وعبادتها أما الشريعة فلم تكن نتيجة لتطور الجماعة وتفاعلها وإنما هي ثابتة، ومن أهم الفوارق بينهما لمن درس القانون والشريعة وتدبر في دراسته:

أ - الكمال: فالشريعة فيها جميع ما من شأنه أن يصلح العالم محببا فيه وموصوفا بأجمل صفاته وفيها جميع ما من شأنه يفسد العالم محذرا منه وموصوفا بأبشع صفاته. أما القوانين الوضعية فهي قاصرة في ذلك كله. وتتشدد في غير محل الشدة وتلين في غير محل اللين.

ب - الدوام: فنصوص الشريعة الإسلامية لا تقبل التغيير ولا التبديل، والأمثلة على ذلك كثيرة: منها نظرية المساواة {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} الآية. ((لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)) الحديث. وقوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية. إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة المبينة أن الشريعة الإسلامية جاءت للاستمرار والدوام بخلاف القوانين الوضعية.

ج- السمو: فالشريعة في قواعدها ومبادئها أسمى من المجتمع مهما تعلم وتمدن لكون واضعها علمه محيط بكل شيء، وفيها من النظريات ما يكفل لها المستوى اللائق. بخلاف القوانين الوضعية فإنها لم توضع بهذا الشكل.

والآن وقبل الإتيان ببعض الحدود الإسلامية لأبين الحكم في تشريعها وعدل مشرعها، أقول هذا البيت، ووجه الشاهد منه مقارنة الشريعة بالقانون الوضعي:

ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل هذا السيف خير من العصا

قد يقول شخص دارس للقوانين الوضعية ومثقف ثقافة عصرية ليست مدعمة بالشريعة الإسلامية: إن استشهادك بهذا البيت ومقارنتك بين الشريعة التي أنزلت قبل أربعة عشر قرنا. وبين قوانين وضعت في عصرنا الحاضر بعد كثير من الرقي والازدهار وبعد تطور العلم وفهم كثير من ظواهر هذا الكون التي كانت تخفي علينا، لهو نوع من الجمود الفكري وعدم وعي لأحداث العصر الحاضر ومتطلباته.

والرد على هذا الاعتراض من أوجه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015