لقد كانت تلك دعوى المقلدة من قديم ضد السلفيين وأهل الحديث، لكنها مع تقادم العهد أصبحت حجة بالية، خصوصا في البيئات العلمية التي تأثرت بالدعوة السلفية. لكن الباطل له تلون، ففي كل مكان يظهر بلون لا يتميز به عما حوله.

فظهرت نعرة التقليد والدعوة إليها، لكن الآن من عمق منهج السلفيين ومنهجهم، وبلباس عجيب: لباس نبذ التقليد!!

وجاء أصحابها بعنوان جميل براق: العودة إلى منهج المتقدمين في الحديث. وهذا يعني أمورا عدة: أهمها أن المتأخرين والمعاصرين ليسوا على هذا المنهج القديم.

وبناء عليه فإن النتائج الإصلاحية للمتأخرين والمعاصرين من سنن أحيوها، وبدع أماتوها تحتاج إلى مراجعة ونقد.

ثم بعد تفتيش تجد هذه الدعوى ومن ينادي بها لا يخرج عن أطر:

فإما هو من متعصبة المذاهب أو الطرق الذين أعياهم القدح في منهج التلقي والاتباع الذي انتشر وطغى على طرائق الصوفية والمذهبيين في تبجيل وتقديس الأئمة والعلماء فوق النص.

وإما هو للأسف ممن أعماهم الحسد لبعض العلماء والأئمة الذين كتب لهم القبول، كالشيخ ناصر الدين ـ رحمه الله ـ فلم يجد في نفسه من الثقل العلمي ما يؤهله للقدح في الشيخ ومنهجه، فاستعان بالمتقدمين والتباكي على منهجهم، وبعض هؤلاء للأسف من أهل العلم!

وإما هو جاهل مغرر به، دفعه شيوخه وأصحابه دون وعي لتبني هذه الفكرة وترويجها، ووضعوه في الواجهة لتلقي صدمة الإنكار الأولى من رموز السلفيين وشيوخهم، وعلى رأسهم الشيخ ناصر الدين رحمه الله.

وبطبيعة الحال فإن دعوة وتسهل وتسهم في الطعن بمنهج أحد أئمة السلفية في العصر الحديث، وهو الشيخ ناصر الدين ـ رحمه الله ـ ستكون موجة يركبها كل من يريد الوصول بها إلى هدف له، وفعلا تجد أصحاب هذه الدعوى أخلاط من شتى الاتجاهات، وكثير منهم للحق والحقيقة غوغاء دهماء لا وزن لهم، وإنما سمعوا بهذه الدعوى، ووظفوها كأصحاب منهج التكفير والخروج، وكبعض الصوفية وشيوخ الطرق، وبعض متعصبة المذاهب. نسأل الله العافية.

ومن هنا حرصت في هذا الكتاب على بيان وهاء الأسس التي بنى عليها المليباري ومن معه هذه الدعوى، خصوصا وأنه من أجلها بدأ يخلط ويهدم ويبني، فهو يخلط الحق بالباطل، وهو يهدم الحق إذا خالف توجيهه، ويبني باطلا ويؤسسه؛ نصرة لنظرة معينة تؤيد فكرته، ولهذا وقع في التناقض العجيب، وساعد على ذلك اجتهاده وحرصه، لكنه اجتهاد وحرص في غير محله، وأظن الدكتور وقع ضحية توجيه من أحد شيوخه، أو ممن استفاد منهم وأقنعه بالفكرة، خصوصا وأنه يخالف منهجه الحالي صراحة في رسالته الدكتوراة، وبيننا وبينها سنوات معدودة فقط، مما يدلل طراوة الدكتور وفكرته التي لا أظنها تيبس أبدا، فما بني على باطل فهو باطل.

أعود لأقول: إننا لا نتحفظ أبدا على نقد الشيخ ناصر الدين الألباني، ولا أي شخص نقدا بناء هدفه الحق، والوصول إلى الحق، فليس عند السلفيين وأهل الحديث معصوم إلا أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لكن هذه الهجمة لم تستهدف الشيخ ومن قبله من الأئمة في مسائل تفصيلية جزئية، مما نختلف نحن أيضا مع الشيخ فيها.

وإنما استهدفت الطعن في منهج الشيخ في التصحيح والتعليل، بل سحبت هذا الحكم ـ مبالغة في البغي ـ على عدة قرون ممن تطلق عليهم مصطلح المتأخرين، تحكما وتصنيفا لا مستند له.

وإن كان علي من شكر أتقدم به، فإني ـ بعد شكر الله تعالى ـ أشكر من قرأ الكتاب وشجعه من الإخوة والمشايخ الفضلاء، وأخص بالشكر الشيخ علي رضا، وفقنا الله وإياه الذي كان بحق أسرعهم استجابة وبذلا لوقته، وأفادني بملحوظاته القيمة التي انتفعت بها حقا، فجزاه الله خيرا، ونفع الله به.

ورجائي ـ كما دعائي ـ أن ينفع الله بهذا الكتاب الموافقين والمخالفين، وأن يغفر لنا الزلل والخطأ، فوالله ما تعمدته، إلا أن تكون غفلة البشر ونقصهم وعجزهم، فما فيه من خطأ وعيب فعيبي ونقصي وعجزي، ونفسي هي سولت لي والشيطان، وما فيه من صواب فهدى الله هداني إليه، وبتوفيقه وفقني وأعانني عليه، فله الحمد أولا وآخرا، وله المنة من قبل ومن بعد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015