¤عبدالله بن ناصر الصبيح£بدون¥دار إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1420هـ€علوم إنسانية وطبية وهندسية¶علم نفس
خاتمة التمهيد
في هذا الكتاب تناولت عدداً من القضايا والمفاهيم الممهدة للتأصيل الإسلامي لعلم النفس التي أرى أنه لا يصح لمن يشتغل بالتأصيل أن يجهلها، ومن اشتغل به وهو يجهلها فربما أساء أكثر مما يحسن، وأفسد أكثر مما يصلح. وقد تركت قضايا أخرى كثيرة هي ممهدة للتأصيل وشرط في صحته، وأسأل الله عز وجل أن يعينني للكتابة فيها فيما بعد.
وفي ختام هذا الكتاب لابد من إعادة التأكيد على عدد من القضايا وردت في ثناياه:
الأولى: نظرية المعرفة:
إن نظرية المعرفة نظرية للوجود كله وهي قضية سابقة على علم نفس إسلامي، فسواء وجد عندنا علم نفس إسلامي أم لم يوجد، لا بد لنا من نظرية للمعرفة تنظم علاقتنا بالوجود وما فيه من سنن. ودلائل هذه النظرية وأسسها موجودة في القرآن والسنة، والذي ينقصنا هو تطبيقها في مجالات المعرفة المتعددة بما فيها دراسة النفس، وذلك هو مقتضى كوننا مسلمين.
إن نظرية المعرفة عندنا ـ معشر المسلمين ـ تصور شامل وكامل، يتناول الوجود كله بما فيه من عالم غيب وعالم شهادة، وهذا هو مظهر شموله. وهو يحدد مستويات الإدراك في كل من عالم الغيب والشهادة ووسيلة التعرف في كل مستوى، وهذا هو مظهر كماله.
ومشكلتنا أننا نحينا تصورنا المعرفي واستعرنا تصوراً معرفياً آخر، وأطلقنا عليه منهج البحث العلمي ـ كما فعل غيرنا ـ وحاولنا أن نفهم الوجود من حولنا من خلال هذا التصور المستعار، فكان لابد من أن نجني ثماره المرة ونقع في التناقض الذي وقع فيه غيرنا، ونفتعل معركة وهمية بين الدين والعلم كما فعل غيرنا.
وتأصيل علم النفس بل سائر العلوم يبدأ من نظرية المعرفة ذاتها، فما لم تكن صحيحة فلن يصح ما يبنى عليها من علوم ونظريات، وتصحيحها يكون بتنحية نظرية المعرفة المستعارة وما سميناه تقليداً بالمنهج العلمي والرجوع إلى نظريتنا المعرفية الإسلامية وإعادة بناء ما ندرسه من علوم وفق هذه النظرية. وكثيرون ربما يستنكرون هذا القول، ويصيحون قائلين: مه! أترفض المنهج التجريبي! أترفض الإحصاء! وهذا الاستنكار سببه في الحقيقة الجهل بنظرية المعرفة الإسلامية ونظرية المعرفة العربية التي بنيت عليها العلوم الحديثة. وقد ناقشت هذه المسائل في الفصلين الأول والثاني من هذا الكتاب وبينت أننا لا نرفض الإحصاء ولا المنهج التجريبي، والمنهج التجريبي نحن رواده ومن عندنا خرج، وإنما نرفض ما قامت عليه نظرية المعرفة الغربية من إلحاد ومحادّة للدين الحق ضمن مسائل أخرى بينتها هناك.
الثانية: العلاقة بين الوحي والعلم:
قلت إن نظرية المعرفة الإسلامية شاملة وكاملة، لا تحتاج إلى أن تستعير بعض آليات نظرية المعرفة الغربية. وهي تمد الباحث بأدوات النظر في النص من جهة وبأدوات النظر في معطيات العلم الحديث من جهة أخرى.
إن بعض المشتغلين بالتأصيل لم يدركوا استقلال التصور المعرفي الإسلامي وكفايته، ولهذا لم يحسنوا الربط بين معطيات العلم الحديث ونصوص القرآن والسنة، فهم موزعون مشتتو الذهن بين نظرية المعرفة الإسلامية ونظرية المعرفة الغربية، ولهذا يأتون بتلفيقات في الجمع بين نظريات علم النفس وحقائق الإسلام ونصوص القرآن والسنة، لا تستقيم في ميزان الإسلام ولا في ميزان علم النفس.