أبو منصور الماتريدي حياته وآراؤه العقدية

¤بلقاسم الغالي£بدون¥دار التركي¨بدون¢1989م€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية

لقد تبين لنا من خلال دراستنا لأبي منصور الماتريدي إمام أهل السنة، أنه قد قدم خدمة جليلة إلى الإسلام، في تلك الأصقاع البعيدة عن منابعه الأصلية، في جو سادت فيه المناقشات الدينية، واضطربت المفاهيم. وقد استخلصنا من خلال دراستنا له النتائج التالية:

1 - سلطت مزيدا من الأضواء على البيئة السياسية والاجتماعية والفكرية التي عاش فيها الماتريدي، وضبطت نسبه وميلاده، وتاريخ وفاته.

2 - انتهيت إلى ضبط أساتذته، وترجمت لهم، وانصب اهتمامي على تلاميذه، ورصدت منابع ثقافته ورتبت مؤلفاته حسب المصادر التي وردت أسماؤهم فيها، وبذلت في ذلك غاية جهدي. وأحسب أن أحدا لم يسبقني إلى هذا العمل على هذا النحو، وظني أنه رصد ضروري، لفهم آرائه، ونشاطه الفكري.

3 - اختلف العلماء والمفكرون في منهج الماتريدي، إلا أنه يبدو في كثير من القضايا أقرب إلى المعتزلة من الأشاعرة. فقد جعل للعقل منزلة كبيرة في كثير من المشاكل بدرجة أقوى من الأشاعرة. ويبدو ذلك جليا في رؤية الباري سبحانه، وفي صفة التكوين. فهو سني متفتح يعرف جيد المعرفة متى يجب الاستمساك بالنص ومتى يأخذ بالعقل وفي أي المسائل يأخذ بهما معا. ورغم قرب الماتريدي من المعتزلة فإنه لم يجنح إلى المغالاة في التعويل على العقل، ولم يوجب على الله فعل الأصلح، بل التزم في منهجه وصف الله بالحكمة، لأن الحكيم لا يفعل إلا ما فيه خير وصلاح. وهكذا التزم الماتريدي بالسمع والعقل معا لأنهما أصل ما يعرف به الدين. حسبما صرح بذلك في مقدمة " كتاب التوحيد"

4 - وقف الماتريدي ضد الإلحاد من المانوية التي طغى نشاطها في آسيا الوسطى، ولربما كان من أهم الأسباب التي دفعته إلى الإفاضة في مبحث الألوهية.

5 - افتن الماتريدي في التدليل على وجود الله، ردا على ملاحدة عصره. وهذه الأدلة يمكن إثراؤها حتى تكون منطلقا للرد على ملاحدة عصرنا، ثم إن ما يشاع الآن من أن دليل العناية والاختراع ينسبان إلى ابن رشد، ليس صحيحا بل إن أول من خاض فيهما ونبه إلى خطرهما أبو منصور الماتريدي، وفضلا عن ذلك فقد ابتكر براهين طريفة، كدلالة النظام والإتقان والروعة البادية على هذا الكون، ودلالة الشر، وكقوله: "من عرف نفسه فقد عرف ربه" وقد انطلق في معظم أدلته من القرآن.

6 - ركز الماتريدي على دفع بدعتي التشبيه والتعطيل، والتدليل على وحدانية الخالق، لأن الإسلام دين التوحيد وبذلك عنون كتابه "التوحيد" ولم يغرق كغيره من علماء الفرق الإسلامية في بحث هل أن الصفات عين الذات أو زائدة عنها؟ بل كاد يكتفي بما ورد وصفه سبحانه في القرآن، وسائر كتب الله على حد تعبيره. ولولا تيار الإلحاد في الصفات الرائج في ذلك العصر، لما لجأ أبو منصور إلى الإغراق في بحث تفريعاتها. وإن وجد هذا الإطناب، فهو مدفوع إلى ذلك دفعا، كإضافته القول في صفة التكوين وعدها صفة قديمة. وتوضيح موقفه من قضية الكلام الإلهي، تلك الصفة التي شغلت الفكر الإسلامي، وصارت بسببها فتنة بين المسلمين، غذاها المعتزلة بالكفر والنظر، ودعمها المأمون بالسلطان والسيف. وانتهى فيها أبو منصور إلى رأي يقضي بعدم جواز سماع الكلام النفسي، وإنما يسمع ما يدل عليه كدلالة هذا الكون على وجوده سبحانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015