ميلاد مجتمع (صفحة 72)

ومن ناحية أخرى، لو أننا حرمنا الفرد من حرية الاختيار فسنجعل منه آلة صماء، أو مخلوقاً صناعياً، أكثر من أن يكون كائناً إنسانياً يتصرف في طاقته الحيوية لغايات يلمحها ضميره لمحاً جلياً.

فهناك إذن شرط مزدوج لهذا الاختيار، بينه هدفيلد حين قال:

((لقد أثبتت التجربة أن اختيار الفرد لمثله الأعلى أهدى طريق إلى السعادة)). ولكن هذا الاختيار من ناحية أخرى ((أعظم من أن يكون حكماً خاصاً نتيجة تفكير الفرد))، فهدفيلد يرى إذن أن هناك (مثلاً أعلى موضوعياً) يتفق مع (التقاليد الأخلاقية التي تلخص تجربة الجنس).

ولما كانت هذه (التقاليد) معبرة عن القيم الأخلاقية، تلك التي بينا من قبل أهمية العنصر الديني فيها، فإن مشكلة توجيه الطاقة الحيوية ترجع بدورها إلى مشكلة دينية في جوهرها.

وهكذا يظهر لنا من وجهة نظر علم النفس أن العنصر الديني يتدخل في تكوين الطاقة النفسية الأساسية لدى الفرد، وفي تنظيم الطاقة الحيوية الواقعة في تصرق (أنا) الفرد، ثم في توجيه هذه الطاقة تبعاً لمقتضيات النشاط الخاص بهذه (الأنا) داخل المجتمع، تبعاً للنشاط المشترك الذي يرديه المجتمع في التاريخ.

***

طور بواسطة نورين ميديا © 2015