والمقصود أنه بالتعليم والاعتياد يكتسب الرذائل. وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل بالنشوء والتربية بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة، وإنما تكتمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم. وكما أن البدن، إن كان صحيحاً فشأن الطبيب تمهيد القانون الحافظ للصحة، فإن كان مريضاً فشأنه جلب الصحة إليه، فكذا النفس منك إن كانت زاكية، طاهرة، مهذبة الأخلاق، فينبغي أن تسعى لحفظ صحتها وجلب مزيد قوة وصفاء إليها. وكما أن العلة المغيرة للاعتدال، الموجبة للمرض، لا تعالج إلا بضدها، إن كانت من حرارة فبالبرودة وبالعكس، فكذا الرذيلة الموجبة لنقصان النفس، علاجها بضدها، كما سبق من علاج الجهل بالتعلم، والبخل بالتسخي تكلفاً، والكبر بالتواضع تكلفاً، والشره بالكف عن المشتهى تكلفاً. وكما أن كل مبرد لا يكفي لعلة أوجبتها الحرارة، إلا إذا كان على حد مخصوص، ويختلف ذلك بالشدة والضعف،