ولذلك يكرهون في الطلب إراقة ماء الوجه، ويؤثرون الاحتزاز عن الافتضاح، والاستتار في قضاء شهوة الفرج، ومقاساة الآلام والمشقات. بل قد يؤثر الإنسان ترك الطعام يوماً أو يومين، ليتوصل به إلى لذة الغلبة في الشطرنج، مع حسيته، ولذة الغلبة عقلية. وقد يهجم على عدد كبير من المقاتلين ليقتل ويعتاض عنه ما يقدره في نفسه من لذة الحمد والوصف بالشجاعة.
وزعموا أن الحسيات، بالإضافة إلى اللذات الكائنة في الدار الآخرة في غاية القصور. وتكاد يكون نسبتها كنسبة إدراك رائحة المطعوم اللذيذ إلى ذوقه ونسبة النظر في وجه المعشوق إلى مضاجعته ومجامعته، بل أبعد منه نسبة. وزعموا أن ذلك لما بعد عن فهم الجماهير مثّلت لهم تلك اللذات بما عرفوها من الحسيات، كما أن الصبي يشتغل بالتعلم لينال به القضاء أو الوزارة، وهو لا يدرك في الصبي لذاتهما، فيوعد بأمور يلتذ بها كثيراً كصولجان يلعب به، أو عصفور يعبث به وأمثاله، وأين لذة اللعب بالعصفور من لذة الملك والوزارة؟ ولكن لما قصر فهمه عن درك الأعلى مثّل بالأخس، ورّغب فيه تلطفاً باستدراجه إلى ما فيه سعادته.