وإذا فرضنا مرآة صدئة قد ستر الخبث صفاها، ومنع انطباع صورنا فيها، فكمال المرآة أن تستعدّ لقبول الصور، فتحكيها كما هي عليها، وعلى مكملها وظيفتان: إحداهما الجلاء والثقل، وهي إزالة الخبث الذي ينبغي أن لا يكون، والثانية أن يحاذي بها نحو المطلوب حكاية صورته. فكذلك نفس الآدمي مستعدة لأن تصير مرآة، يحاذي بها شطر الحق في كل شيء، فتنطبع به كأنها هو من وجه، وإن كانت غيره من وجه آخر، كما في الصورة والمرآة. وكمالها في مثل هذه الدرجة وهذه الخاصة التي فارقت بها ما تحتها من الحيوانات، إذ هذا الاستعداد مسلوب عن الحيوانات كلها، سوى الآدمي بالقوة والفعل جميعاً، كما انسلب عن التراب والخشب الاستعداد لحكاية الصور، وأن يكون مرآة لها، وهو موجود بالفعل أبداً للملائكة، لا يفارقها، كما أنه موجود للماء الصافي، فإنه يحكي الصورة بطبعه حكاية مخصوصة، وهو موجود للآدمي بالقوة لا بالفعل. فإن جاهد نفسه التحق بأفق الملائكة، وإن استمر على الأسباب الموجبة لتراكم الخبث على مرآة النفس، باتباع الشهوات، اسودّ قلبه وتراكمت ظلمته، وبطل بالكلية استعداده، والتحق بأفق البهائم، وحرم سعادته وكماله حرماناً أبدياً، لا تدارك له.
فإذن العمل معناه كسر الشهوات بصرف النفس عن