ميزان العمل (صفحة 38)

ثم إلى الأعضاء الآلية التي أعدت للنفس، ولجذب الطعام ثم لهضمه ثم لدفعه، وإلى الآلات التي خلقت للتناسل، ورأيت العجائب في خدمة بعضها بعضاً بالضرورة، ثم بعد فراغك من تشريح الأجسام نظرت في تفصيل قوى تلك الأجسام، واستقصيته بمعرفة حقائق العلوم الطبيعية، لقضيت منها آخر العجب. فتعساً لمن كفر بالله وغفل عن قوله: (وَفي الأرض آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ، وَفي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرون) ، بل في كل شيء دليل على أنه واحد. ومن لم يؤمن بالله على الجملة، فليس من العقلاء، وهو أخسّ من أن يخاطب بمثل هذه الكلمات. وإنما كلامنا مع من صدّق بالجملة، فندعوه إلى البحث عن صنع الله، ليزداد بسببه يقينه وإيمانه، ويتفاقم به تعظيمه وإجلاله. فكل ما لا يدرك بالحواس، وإنما يدرك بالعقل بواسطة آثاره، فسبيل استقصاء معرفته استقصاء النظر في آثاره. بل نضرب مثالاً يقرب من فهم الخلق كافة، فما من فقيه إلا وقد اعتقد في المذكورين من العلماء مثل أبي حنيفة والشافعي وغيرهما، رتبة تتقاضاه التعظيم. وهذا يشترك فيه الخلق، ولكن ليس من يتصفح تصنيف مصنف، فيرى فيه من عجائب صنعه وبدائع حذقه، يبقى اعتقاده في التعظيم على ما كان عليه قبل معرفته، بل لا يزال يطلع على صفة غريبة له في كلامه وتصنيفه أو شعره، وتزداد نفسه له تعظيماً وتوقيراً واعتقاداً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015