ومن حيث يحس ويتحرك فحيوان، ومن حيث صورته وقامته فكالصورة المنقوشة على حائط. وإنما خاصته التي لأجلها خلق قوة العقل، ودرك حقائق الأشياء. فمن استعمل جميع قواه على وجه التوصل بها إلى العلم والعمل، فقد تشبه بالملائكة، فحقيق بأن يلحق بهم وجدير بأن يسمى ملكاً وربانياً، كما قال: (إنْ هَذا إلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) ومن صرف همته إلى اتباع اللذات البدنية، يأكل كما يأكل الأنعام، فقد نزل إلى أفق البهائم، فيصير إما غمراً كثور، وإما شرهاً كخنزير، وإما صرعة ككلب، وأما حقوداً كجمل، أو متكبراً كنمر، أو ذا روغان كثعلب. أو يجمع ذلك كله كشيطان مريد.
وبالجملة من تصفح القوى التي ذكرناها، عرف أن مقتضيات العقل أرفعها وأعلاها، فينظر بعين التعجب كيف يخدم بعضها لبعض خدمة ضرورية عليها فطرت، ولا تستطيع مخالفة أمر الله تعالى فيها.