ودرجات الرقي فيه غير محدودة ولا محصورة. وأقصى الرتب درجة النبي الذي ينكشف له كل الحقائق أو أكثرها من غير اكتساب وتكلف، بل بكشف إلهي في أسرع وقت. وهذه هي السعادة التي تحصل للإنسان، فتقربه إلى الله تعالى تقريباً، لا بالمكان والمسافة، ولكن بالمعنى والحقيقة. والأدب يقتضي قبض عنان البيان في هذا المقام، فقد انتهى الأمر بطائفة إلى أن ادعوا اتحاداً وراء القرب، فقال بعضهم: " سبحاني ما أعظم شأني "، وقال آخر: " أنا الحق "، وعبر آخر بالحلول، وعبر النصارى باتحاد اللاهوت والناسوت، حتى قالوا في عيسى صلوات الله عليه أنه نصف الله، تعالى الله عن قول الظالمين علواً كبيراً، وبالجملة فمنازل السائرين إلى الله تعالى لا تنحصر، وإنما يعرف كل سالك المنزل الذي قد بلغه في سلوكه، فيعرف ما خلفه من المنازل. فأما ما بين يديه فلا يحيط بحقيقته، إلا بطريق الجملة، والإيمان بالغيب، فلا يعرف حقيقة النبوة إلا النبي. وكما لا يعرف الجنين حال الطفل، ولا الطفل حال المميّز وما افتح له من العلوم الضرورية، ولا المميز حال العاقل وما اكتسبه من العلوم النظرية،