السعاة الآخروية التي نعني بها بقاء بلا فناء، ولذة بلا عناء، وسرور بلا حزن، وغنى بلا فقر، وكمال بلا نقصان، وعز بلا ذل، وبالجملة كل ما يتصوّر أن يكون مطلوب طالب ومرغوب راغب، وذلك أبد الآباد، وعلى وجه لا تنقصه تصرم الأحقاب والآماد، بل لو قدّرنا الدنيا مملوءة بالدّرر، وقدّرنا طائراً يختطف في كل ألف سنة حبة واحدة منها، لفنيت الدّرر ولم ينقص من أبد الآباد شيء، فهذا لا يحتاج إلى استحثاث على طلبه، وتقبيح الفتور فيه بعد اعتقاد وجوده، إذ كان عاقل يتسارع إلى أقل منه، ولا يصرف عنه كون الطريق إليه متوعراً، ومحوجاً إلى ترك لذات الدنيا، واحتمال أنواع من التعب هنا. فإن المدة في احتمال التعب منحصرة، والفائت فيها قليل. واللذات الدنيوية منصرمة منقضية. والعاقل يتيسر عليه ترك القليل نقداً في طلب أضعافه نسيئة. ولذلك ترى الخلق كلهم في التجارات والصناعات، وحتى في طلب العلم، يحتملون من الذل والخسران، والتعب