المذهب الثالث ما يعتقده الرجل سراً بينه وبين الله عز وجل، لا يطلع عليه غير الله تعالى، ولا يذكره إلا مع من هو شريكه في الاطلاع على ما اطلع، أو بلغ رتبة يقبل الاطلاع عليه ويفهمه. وذلك أن يكون المسترشد ذكياً، ولم يكن قد رسخ في نفسه اعتقاد موروث نشأ عليه، وعلى التعصب له، ولم يكن قد انصبغ به قلبه انصباغاً، لا يمكن محوه منه. ويكون مثاله ككاغد: كتب عليه ما غاص فيه ولم يمكن إزالته إلا بحرق الكاغد وخرقه. فهذا رجل فسد مزاجه، ويئس من صلاحه، فإن كل ما يذكر له على خلاف ما سمعه لا يقنعه، بل يحرص على أن لا يقنع بما يذكر ويحتال في دفعه. ولو أصغى غاية الإصغاء، وانصرفت همته إلى الفهم، لكان يشكّ في فهمه، فكيف إذا كان غرضه أن يدفعه ولا يفهمه؟ فالسبيل مع مثل هذا أن يسكت عنه، ويترك على ما هو عليه، فليس هو بأول أعمى هلك بضلالته، فهذا طريق فريق من الناس.
وأما الفريق الثاني، وهم الأكثرون، يقولون المذهب واحد، هو المعتقد، وهو الذي ينطق به تعليماً وإرشاداً مع كل آدمي، كيفما اختلفت حاله، وهو الذي يتعصّب له وهو إما مذهب الأشعري أو المعتزلي أو الكرامي،