ومن ذكر الموت، تتولد القناعة بما رزق والمبادرة إلى التوبة، وترك المحاسدة والحرص على الدنيا والنشاط في العبادة، وينبغي أن يكون المتراخي عن عبادته، ألا يصبح يوماً إلا ويقدّر أنه سيموت تقديراً للموت العاجل، فإنه ممكن. ومهما قدّر الموت بعد سنين، لم يحرص على العبادة، ولم تفتر رغبته في الدنيا، بل لا ينبغي أن يهمل نفسه أكثر من يوم، فيصبح كل يوم على تقدير الاستعداد للرحلة نهاراً. فكل من ينتظر أن يدعوه ملك من الملوك كل ساعة، فينبغي أن يكون مستعداً للإجابة، فإن لم يكن فربما يأتيه الرسول، وهو غافل فيحرم عن السعادة. وما من وقت، إلا ويرى فيه الموت ممكناً، فإن قلت: الموت فجأة بعيد، قلت: فإذا وقع المرض، فالموت غير بعيد. وذلك يمكن في أقل من يوم، ولا يكون بعيداً.
وأما الاغتمام لأجل الموت، فليس من العقل أيضاً، فإن ذلك الغم لا يخلو من أربعة أوجه: إما لشهوة بطنه وفرجه، وإما على ما يخلّفه من ماله، وإما على جهله بحاله بعد الموت وماله، وإما لخوفه على ما قدّمه من عصيانه. فإن كان ذلك لشهوة بطنه وفرجه، فهو كمشتهي داء ليقابله بداء مثله، فإن معنى لذة الطعام إزالة ألم الجوع، ولذلك إذا