بل مثال الناس كلهم في الاغترار برهرة الدنيا، والاعتكاف على لزوم لذاتها، مثل راكبي سفينة متوجهين إلأى أفضل بلدة، ينال فيها أعلى رتبة، فأفضت بهم السفينة إلى جزيرة ذات أسود وأساود، فأمروا بالخروج تهيئة للطهارة، وأن يكونوا على حذر من غوائال الجزيرة، فرأوا حجراً مزبرجاً، وزهراً منوّراً، فأعجبهم ذلك وشغفوا به، فتباعدوا عن المركب، ونسوا المركب والمقصد، وبقوا لا هين، حتى سارت السفينة وجنّ عليهم الليل، فثارت عليهم الأسود تفترسهم، والأساود تنتهشهم، ولم يغن عنهم حجرهم وزهرهم شيئا. فيقول واحد منهم: (يَا لَيْتَني كُنْتُ تُرَاباً) ، والآخر يقول: (مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيه هَلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَه) . والآخر يقول: يا حسرتاً على ما فرطت في جنب الله، ولم يبق بأيديهم إلا حسرة وندامة لا آخر لها، ومجاورة الأفاعي والأسود مع الخزي والنكال. فهذا بعيينه مثال المغترين بمتاع الدنيا. ولهذا الخطر العظيم استعاذ الخليل إبراهيم وقال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنيّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) ، وعنى به هذين الحجرين، الذهب والفضة، إذ رتبة النبوة أجل من أن يخشى فيها أن تعتقد الإلهية في شيء من الحجارة. ولهذا قال الإمام علي: