فرحون، وبه قوام العالم، بل لولاه لبطلت الصناعات. فلو لم يعتقد الخيّاط والحائك والحجام في صنعته ما يوجب ميله إليها، لتركها وأقبل الكل على أشرف الصنائع، ولبطلت كثرة الصنائع. فإن رحمة الله غفلتهم بوجه من الوجوه. وعليه حمل بعضهم قوله عليه السلام: " اختلاف أمتي رحمة "، يعني اختلاف هممهم، ولو عرف الكنّاس ما في صناعته لتركها، ولاضطر العلماء والخلفاء والأولياء أن يتولوها بأنفسهم. وكذلك الدباغة والحدادة والزراعة، وجميع الأمور فلولا أن الله تعالى حبّب علم الفقه والنحو ومخارج الحروف والطب والفقه في قلوب طوائف، لبقيت هذه العلوم معطّلة، ولتشوش النظام الكلي، وليس من شرط المتجرد لعلم أو صناعة أن يتطلع على قدر رتبته ونسبته إلى من فوقه. بل إلى من تحته. وإنما المطّلع على حملة مراتب العلوم هم المتكفل بالعلوم كلها، وهو الذي آتاه الله الحكمة، وأراه الأشياء على ما هي عليه. فهذا جواب هؤلاء، وإليك الرأي بعد هذا في الاقتصار على ما أنت فيه، أو سلوك طريق هؤلاء والبحث عن هذا الفن، لتعرف حقيقة الحق فيه.