ابتدأ بالاستعداد، ولا كقرب من ابتدأ بالسلوك. فوازن الحج مما نحن فيه كمال النفس بطهارة الأخلاق، وقطع الرذائل كلها، وكمالها مع ذلك بانكشاف الحقائق لها. ومثال المال الموصل إلى الرئاسة ها هنا الموت، الذي يكشف الحجاب الحائل بينه وبين رتبة مشاهدة نفسه، وكمالها وجمالها، ليرى نفسه من الكمال في أعلى عليّين، فيفرح به ويسرّ سروراً مؤبداً. ومثال سلوك منازل الطريق منزلاً بعد منزل سلوك مهذّب الأخلاق في محو الأخلاق الرديئة عن نفسه خلقاً بعد خلق، وطالب العلوم النظرية التي ذكرناها دون سائر العلوم، الخادمة للعلوم النظرية من الفقهيات واللغويات. فالمتعلّم للفقه كالخارز للرواية، والمقتصر عليه كالمقتصر على الرواية، والمقتصر على اللغة كالمقتصر على دباغة الجلد، الذي يتخذ منه الرواية مثلاً، فإن الحاج لا يستغني عن الدباغ ومستغرق أوقاته بمعرفة تفريعات الفقه، على ما يشتمل عليه الخلافيات في هذا العصر، مما لم يعهد في عصر الصحابة،