فما أبعدك عن فهم العلم الحقيقي الديني، الجالب للسعادة. فما يحصّله صاحب الأخلاق الردية حديث ينظمه بلسانه مرة، وبقلبه أخرى، وكلام يردده، ولو ظهر نور العلم على قلبه، لحسنت أخلاقه، فإن أقل درجات العلم أن يعرف أن المعاصي سموم مهلكة، مبطلة للحياة الأبدية، فإن منشأها الصفات الردية. وهل رأيت من عرف السم فتناوله؟ ولهذا قال علي السلام: " من ازداد علماً ولم يزدد هدى، لم يزدد من الله إلا بعداً ". ولهذا قال بعض المحققين: معنى قولهم تعلمنا العلم لغير الله، فأبى العلم أن يكون إلا الله، أي العلم امتنع وأبى أن يحصل، وما حصل كان حديثاً ولم يكن علماً تحقيقياً. فإن قلت: إني أرى جماعة من فضلاء الفقهاء قد تبخروا فيها مع سوء أخلاقهم، فيقال لك: إذا عرفت مراتب العلوم ونسبتها إلى سلوك السعادة، عرفت أن ما يعرفه أولئك الفقهاء قليل الغناء في المقصود، وإن كان لا ينفك عن تعلق به في حق من يقصد به التقرب.
الوظيفة الثانية: أن يقلل علائقه من الأشغال الدنيوية، ويبعد عن الأهل والولد والوطن، فإن العلائق صارفة وشاغلة للقلوب،