اعلم أن شرف العقل، من حيث كونه مظنة العلم والحكمة وآلة له، ولكن نفس الإنسان معدن للعلم والحكمة، ومنبع لها، وهي مركوزة فيها بالقوة في أول الفطرة، لا بالفعل، كالنار في الحجر والماء في الأرض والنخل في النواة. ولا بد من سعي في إبرازه بالفعل، كما لا بد من سعي في حفر الآبار لخروج الماء. ولكن كما أن من الماء ما يجري من غير فعل بشري، ومنه ما هو كامن محتاج في استنباطه إلى حفر وتعب، ومنه ما يحتاج فيه إلى تعب قليل، كذلك العلم في النفوس البشرية، ممننه ما يخرج إلى الفعل من القوة بغر تعلم بشري، كحال الأنبياء عليهم السلام، فإن علومهم تظهر من جهة الملأ الأعلى، من غير واسطة بشريّ، ومنه ما يطول الجهد فيه كأحوال العامة من الناس، لا سيما ذوو البلادة، الذين كبر سنهم في الغفلة والجهل، ولم يتعلموا زمن الصبا،