ومجاوزة لحدّ البهائم في تملك النفس، وضبطها لها، لأن المتعشق لم يقنع بإرادة شهوة الجماع، وهي أقبح الشهوات وأجدرها بأن يستحي منها، حتى اعتقد أن لا تنقضي إلا في محل واحد، والبهيمة تقضي الشهوة أنى اتفق فتكتفي به. وهذا لا يكتفي إلا من معشوقته، حتى ازداد به ذلاً إلى ذل وعبودية إلى عبودية. واستسخر العقل لخدمة الشهوة، وقد خلق ليكون آمراً مطاعاً لا يكون خادماً للشهوة، محتاناً لأجلها، وهو مرض نفس فارغة لا همة لها. وإنما يجب الاحتراز من أوائلها، وهو معاودة النظر والفكر، وإلا فبعد الاستحكام يعسر دفعها. وكذلك عشق الجاه والمال والعقار والأولاد، حتى حب اللعب بالطيور والنرد والشطرنج، فإن هذه الأمور تستولي على طائفة ينقضي عليهم الدين والدنيا، ولا يصبرون عنها. ومثال ردّ الشهوة في أول انبعاثها صرف عنان الدابة عن توجهها إلى باب دار تدخله، فما أهون منعها وصرف عنانها. ومثال علاجها بعد استحكامها أن تترك الدابة، حتى تدخل وتجاوز الباب، ثم تأخذ بذنبها جاراً لها إلى وراء، وما أعظم التفاوت بين الأمرين! فليكن الاحتياط في بدايات الأمور، فأما أواخرها فلا تقبل الإصلاح في الأكثر، إلا بجهد شديد يوازي نزع الروح.