فأما المجتهد في المسائل العقلية، [فـ] يخطئ ويصيب، بلا خلاف بين العقلاء، إلا ما حكي عن أبي الحسين العنبري من المعتزلة أنه قال: كل مجتهد مصيب في العقلي والشرعي. وهو قول مهجور رده عليه إخوانه وكل عاقل, لأنه يفضي إلى أن الدهري مصيب، والثنوي مصيب، وكذا اليهود والنصارى ونحو ذلك. وهذا مما لا يخفي فساده على العوام، فضلا عن العلماء.

وجه قول المصوبة: النص، والعقول، والأحكام:

- أما النص فقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (?) الله تعالى، مع أنه أخبر أنه فهم سليمان صلوات الله عليه، أخبر أن حكم داود صلوات الله عليه كان صوابًا بقوله: "وكلا آتينا حكماً وعلماً" دل أن كل مجتهد مصيب. وفي الآية أيضًا إشارة إلى أن ما حكم سليمان صلوات الله عليه فهو أصوب حيث قال: "ففهمناها سليمان"- دل أن الذي هو عند الله تعالى هو الأصوب، وهو المطلوب بالاجتهاد.

ولما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن "بم تقضي"؟ قال: "بكتاب الله تعالى" قال: "فإن لم تجد" قال: "بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" قال: "فإن لم تجد" قال "أجتهد في ذلك رأيي" قال عليه السلام: "الحمد لله الذي وفق رسول رسوله"، [فـ] لولا أن المجتهد مصيب على كل حال، وإلا لم يكن موفقاً، والنبي عليه السلام جعله موفقاً، وكل من عمل بتوفيق الله تعالى، يكون مصيباً لا محالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015