وقال ابن رجب مبينًا موقفه الشخصي من الأسانيد المعنعنة على مذهب مسلم: (فإن قال قائل: هذا يلزم منه طرح أكثر الأحاديث وترك الاحتجاج بها. قيل: من ههنا عظم ذلك - رحمه الله - عظم ذلك على مسلم - رحمه الله -. والصواب أن ما لم يرد فيه السماع من الأسانيد لا يحكم باتصاله، ويحتج به مع إمكن اللقي كما يحتج بمرسل أكابر التابعين كما نص عليه الإمام أحمد) (?) (¬2) .

وبعد استعراض النصوص السابقة يتبين أن عددًا من كبار الأئمة الذين يشترطون العلم باللقاء أو السماع لاتصال السند المعنعن لم يهملوا القرائن المقوية لاحتمال السماع، ولم يتركوا الاحتجاج بكل حديث لم يثبت اللقاء في سنده إذا كانت هناك قرائن ترجح احتمال السماع على احتمال عدم السماع.

وبالإجابة عن السؤالين السابقين يترجح لي أن مذهب البخاري أقوى من مذهب مسلم، والأصل أن العلم باللقاء ولو مرة شرط لاتصال السند المعنعن، وإذا لم يتوفر العلم باللقاء فلا يعد الحديث منقطعًا، وإنما فيه شبهة عدم اتصال، لذا فهو أعلى من المنقطع، ودون المتصل، فنتوقف على الاحتجاج به لذلك.

فإذا توفرت الأمور التي ذكرها مسلم في الاكتفاء بالمعاصرة وكانت هناك قرائن تقوي احتمال السماع فالأولى الأخذ بها ويحتج بذلك السند الذي لم يثبت فيه اللقاء، والقرائن متعددة ومتنوعة ويصعب حصرها وضبطها، ويظهر لي استخلاصًا مما تقدم من مناقشات في هذا البحث أن أهم القرائن:

1- أن تكون فترة المعاصرة طويلة نسبيًا - بحيث يغلب على الظن استبعاد احتمال عدم اللقاء - مع اتحاد بلد الراويين كأن يكون كلاهما من المدينة أو من البصرة.

قال الشيخ المعلمي: (إذا كان وقوع اللقاء ظاهرًا بينًا فلا محيص عن الحكم بالاتصال، وكذلك كمدني روى عن عمر، ولم يعلم لقاؤه له نصًا، لكنه ثبت أنه ولد قبل وفاة عمر بخمس عشر سنة مثلاً فإن الغالب الواضح أن يكون قد شهد خطبة عمر في المسجد مرارًا.

فأما إذا كان الأمر أقوى من هذا كرواية قيس بن سعد المكي عن عمرو بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015