6- أن التصديق نوع من أنواع الكلام، واستعماله في اللغة دالا على اللفظ والمعنى، أكثر من استعماله في المعنى المجرد عن اللفظ الذي هو تصديق القلب.

وهذا المبحث هو نفسه مبحث الكلام النفسي - الذي سبق - حيث زعموا أن الكلام معنى قائم بالنفس فقط، دون الحروف والألفاظ، وقد سبق عرض أدلتهم ومناقشتها في مبحث كلام الله، والعجيب أن شيخ الإسلام استوفى مباحث هذه المسألة - مسألة الكلام النفسي والرد على الأشاعرة فيه - في كتاب الإيمان أكثر من غيره من كتبه ورسائله. وهذا يبين أن مأخذ الأشاعرة في المسألتين واحد (?) .

7- أما احتجاجهم بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (يوسف: من الآية17) أي بمصدق لنا، وقولهم إن الإيمان مرادف للتصديق. فقد رد عليهم شيخ الإسلام من عدة وجوه، منها:

أ - أن لفظ الإيمان تكرر في القرآن والحديث أكثر من غيره من الألفاظ، والإيمان أصل الدين، وكل مسلم يحتاج إلى معرفته، فلا بد أن يؤخذ معنى الإيمان من جميع موارده، لا من آية واحدة (?) .

ب - أن الإيمان ليس مرادفا للتصديق من وجوه: منها:

أحدها: أنه يقال للمخبر إذا صدقته: صدقه، ولا يقال: آمنه وآمن به، بل يقال آمن له، كما قال: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} (العنكبوت: من الآية26) ، وقال: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} (يونس: من الآية83) ، وقال فرعون: {آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} (الشعراء: من الآية49) ، فلفظ الإيمان يتعدى إلى الضمير باللام دائما، لا يقال آمنته، وإنما يقال آمنت له، كما يقال أقررت له.

الثاني: وليس مرادفا له في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت. أما لفظ الإيمان فلا يستعمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015