فالنصوص دلت على حدوث العالم، كما دلت على أن هذه السموات والأرض قد خلق قبلها مخلوقات، وأن هذه الخلوقات قد خلقت من مادة. وكلام السلف ورواياتهم في ذلك واضحة جدا (?) ، ومذهب المتكلمين القائلين بأن الله لم يكن فاعلا في الأزل ثم فعل وخلق، يلزم منه أن البارى تعالى كان معطلاً منذ الأزل إلى بدء الخلق، أي أنه تعالى قبل خلق الخلق، إلى ما لا نهاية له كان معطلا غير فاعل، وهم يقولون يجب أن يكون كذلك. والمتدبر للمسألة يجد هذا القول خطيرا جدا لأنه يلزم منه وصف الله في هذه المدد التي لا نهاية لها بالتعطيل عن صفة الخلق التي أجمع عليها الناس والتي هي من أوضح الدلائل على ربوبيته ووحدانيته.
وإذا كان الله متصفا بصفة الحياة والعلم والقدرة والإرادة أزلا فكيف يقول قائل: إن الله يجب أن يكون معطلا وغير فاعل؟.
ولكن بقي في الأدلة السمعية حديثان، كثيرا ما يحتج بهما المتكلمون وغيرهم على مذهبم في خلق العالم:
أحدهما: حديث "أول- أو إن أول- ما خلق الله القلم، فقال له اكتب، قال: رب وماذا اكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم
الساعة " (?) .