مدْخل

...

موقعة اليرموك (دراسة وَتَحْلِيل)

لفضيلة الدكتور مُحَمَّد السَّيِّد الْوَكِيل وَكيل كُلية الحَدِيث بالجامعة

اليرموك نهر يَنْبع من جبال حوران، يجْرِي قرب الْحُدُود بَين سوريا وفلسطين، وينحدر جنوبا ليصب فِي غور الْأُرْدُن ثمَّ فِي الْبَحْر الْمَيِّت، وَيَنْتَهِي مصبه فِي جنوب الحولة، وَقبل أَن يلتقي بنهر الْأُرْدُن بمسافة تتراوح بَين ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعين كيلو مترا يُوجد وَاد فسيح تحيط بِهِ من الْجِهَات الثَّلَاث جبال مُرْتَفعَة شاهقة الِارْتفَاع، وَيَقَع فِي الْجِهَة الْيُسْرَى لليرموك.

اخْتَار الرّوم هَذَا الْوَادي لِأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يَتَّسِع لجيشهم الضخم الَّذِي عدده مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين ألف مقَاتل.

وَأما الْمُسلمُونَ فقد عبروا النَّهر إِلَى الْجِهَة الْيُمْنَى، وضربوا معسكرهم هُنَاكَ فِي وَاد منطبح يَقع على الطَّرِيق المفتوح لجيش الرّوم، وَبِذَلِك أغلقوا الطَّرِيق أَمَام الْجَيْش المزهو بعدده وعدده، فَلم يعد للروم طَرِيق يسلكون مِنْهُ، أَو يفرون إِذْ اضطروا للفرار، لِأَن جَيش الْمُسلمين قد أَخذ عَلَيْهِم مسلكهم الوحيد.

وَقد يعجب الْإِنْسَان كثيرا، وَهُوَ ينظر إِلَى الخارطة، وَيرى نَفسه مُضْطَرّا لِأَن يسْأَل كَيفَ رَضِي قواد الرّوم لجيوشهم هَذَا الْموقع؟ وَكَيف وَافق الْجنُود على النُّزُول فِيهِ وهم يرَوْنَ أَلا سَبِيل لِلْخُرُوجِ مِنْهُ إِلَّا عَن طَرِيق هَذَا الْوَادي الَّذِي احتله الْمُسلمُونَ؟

أفما كَانَ الأجدر بهم إِن اضطروا إِلَى اتِّخَاذ هَذَا الْمَكَان ميداناً للجيش لِأَنَّهُ لَا يُوجد مَكَان سواهُ يَتَّسِع لجيشهم أَن يحموا الفتحة الوحيدة الَّتِي لَا طَرِيق لَهُم غَيرهَا؟

لاشك أَن البديهيات العسكرية تحتم حماية أَمْثَال هَذِه الفتحة ليؤمن الْجَيْش طَرِيقه إِذا اضْطر إِلَى الْخُرُوج من هَذَا الْوَادي المحاصر بشواهق الْجبَال.

وَلَكِن يبدوا أَن قوات الرّوم كَانَت مغرورة بكثرتها الهائلة مزهوة بالنصر الَّذِي أحرزته على خَالِد بن سعيد وَمن مَعَه من قوات الْمُسلمين، كَمَا يَبْدُو أَن هَذَا النَّصْر أنساهم أبسط التخطيط العسكري فِي مثل هَذَا الْموقف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015