قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله في الإيمان

ƒـ[أين الرواية الثانية عن أبي حنيفة في تعريف الإيمان؟ لأبي حنيفة روايتان في تعريف الإيمان الأولى أمكن إيجادها في كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة التي تنص على (الإيمان هو الإقرار والتصديق) أما الرواية الثانية فهي تنص على أن الإيمان التصديق لكن أين سندها وأين توجد في أي كتاب؟]ـ

^الحمد لله:

المشهور من تعريف الإيمان عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه الإقرار والتصديق. قال رحمه الله: " والإيمان هو التصديق والإقرار " الفقه الأكبر (85) ، وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (7/119، 330) ، اعتقاد الأئمة الأربعة، د. محمد بن عبد الرحمن الخميس (16) .

وأما الرواية الثانية المسؤول عنها، فهي رواية مشهورة ـ أيضا ـ وتناقلتها مصادر عديدة، ونسبها إليه كثير من أصحابه المتكلمين والفقهاء والأصوليين.

فمن كتب علم الكلام التي نسبت إليه ذلك:

الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي (ت: 878هـ) الحنفي. ذكر ذلك في حاشيته على المسامرة شرح المسايرة، عند قول المؤلف: " قول صاحب العمدة منهم: الإيمان هو التصديق؛ فمن صدق الرسول فيما جاء به، فهو مؤمن، فيما بينه وبين الله تعالى، والإقرار شرط إجراء الأحكام.. "، قال ابن قطلوبغا: " هذا القول مروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، نص عليه في كتاب العالم والمتعلم، وهو اختيار الشيخ أبي منصور [يعني: الماتريدي] ، والحسين بن الفضل البلخي، والمحققين من أصحابنا " انتهى. حاشية قاسم على المسامرة (178-179) .

ملا علي القاري الحنفي (ت: 1014هـ) انتصر لهذا القول في شرحه على الفقه الأكبر، ونسبه إلى جمهور المحققين. انظر ص (85-87) . وقد سبق أن حكى الخلاف ـ ص (12) ـ في الإقرار باللسان: " هل هو شطر للإيمان، إلا أنه يسقط في بعض الأحيان، أو شرط لإجراء أحكام الإيمان، كما هو مقرر عند الأعيان، وهو المروي عن الإمام، وإليه ذهب الماتريدي، وهو الأصح عند الأشعري..".

وممن نسبه إليه أيضا ابن أبي العز الحنفي، في شرحه على الطحاوية. قال ـ (332ـط المكتب الإسلامي) ـ:

" وذهب كثير من أصحابنا [يعني: الأحناف] إلى ما ذكره الطحاوي رحمه الله: أنه إقرار باللسان، وعمل بالأركان.

ومنهم من يقول: إن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي. وإلى هذا ذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله، ويروى عن أبي حنيفة، رضي الله عنه. ".

ومن فقهاء الأحناف الذين نسبوا إليه هذه الرواية:

ابن الهمام، صاحب فتح القدير. قال:

" قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا، لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ رَجَّحْنَا الْإِسْلَامَ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَكَأَنَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ شَرْطُ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ أَهْلِ أُصُولِ الْفِقْهِ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِقْرَارَ رُكْنًا انْتَهَى ". فتح القدير (9/251) . وقد تعقب ابن الهمام النقل في التخريج، ولم يتعقبه في نسبة القول للإمام. ونجد نفس الكلام في " العناية شرح الهداية" (9/252) .

ومن الأصوليين الأحناف الذين نسبوا هذه الرواية إلى الإمام: ابن أمير الحاج في التقرير والتحبير (2/111) ، وابن أمير بادشاه، في تيسير التحرير (2/261) .

والحاصل: أن هذه الرواية مشهورة متداولة في كتب الأحناف، من متكلمين وفقهاء وأصوليين.

لكن وجود هذه الرواية في هذه المصادر وتداولها شيء، وثبوتها عن الإمام أبي حنيفة شيء آخر؛ فمثل ذلك يحتاج إلى الوقوف على إسنادها، والنظر فيه، أو النص على ثبوتها عن الإمام من أحد العلماء المطلعين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ مجموع الفتاوى (1/246) ـ: " والمنقول عن العلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه، ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله ".

وأيا ما كان من أمر ثبوت هذه الرواية عن الإمام، أو عدمه، فالروايتين عنه جميعا مخالفتان لما عليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان قول وعمل، وهذا مشهور عنه رحمه الله، والله يعفو عنا وعنه بمنه وكرمه.

قال ابن عبد البر رحمه الله: " أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ولا عمل إلا بنية والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والطاعات كلها عندهم إيمان إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيمانا، قالوا إنما الإيمان التصديق والإقرار، ومنهم من زاد والمعرفة.. "

ثم قال ـ بعد كلام ـ: " وأما سائر الفقهاء، من أهل الرأي والآثار، بالحجاز والعراق والشام ومصر، منهم مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود بن علي وأبو جعفر الطبري ومن سلك سبيلهم، فقالوا: الإيمان قول وعمل، قول باللسان وهو الإقرار اعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، مع الإخلاص بالنية الصادقة.

قالوا: وكل ما يطاع الله عز وجل به من فريضة ونافلة فهو من الإيمان، والإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأهل الذنوب عندهم مؤمنون غير مستكملي الإيمان من أجل ذنوبهم، وإنما صاروا ناقصي الإيمان بارتكابهم الكبائر.. " انتهى. التمهيد (9/238، 243) .

‰الإسلام سؤال وجواب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015