ƒـ[سمعنا كثيراً عن الإرهاب، فما هو الإرهاب في نظر المسلم؟ ، وما هو الإرهاب لدى الغرب؟ وكيف نرد عليهم إن اختلفنا معهم؟]ـ
^الحمد لله
أولاً:
" الإرهاب " مصدر، أرهبَ، يُرْهِب، إرهاباً، وهي لفظة تعني: التخويف، وهي في ذاتها ليست محمودة، ولا مذمومة، إلا أن يُعلم معناها عند قائلها، وإلا أن ينظر في آثارها، ومن قال إن الإرهاب في الإسلام هو رديف القتل: فهو مخطئ؛ لأن اللفظة لا تساعد على هذا المعنى، فالإرهاب هو التخويف وليس القتل، وقد أمرَنا ربنا تعالى أن نَرْهَبه، أي: نَخافه، كما في قوله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) البقرة/40، كما أمرنا بالاستعداد للعدو الذي يتوقع منه الكيد والحرب، وهذا الاستعداد هو لإرهابه حتى لا نكون لقمة سائغة له، وقد جاء ذلك موضحاً في قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال/ من الآية 60.
وقد أطلقت الدول المستعمرة الآثمة هذه اللفظة على الإسلام، وأرادت تشويه صورته في نظر عامة الناس، فأقيمت لذلك المؤتمرات، وعقدت الندوات، وأنشئت الأقسام باسم مكافحة الإرهاب، ولم يكن في ذلك كله تعرض لتلك الدول المستعمرة المجرمة، الجاثمة على صدور الضعفاء من المسلمين، كالهندوس في إرهابهم المسلمين في كشمير، والروس في إرهابهم للمسلمين في الشيشان، والأمريكان في إرهابهم للمسلمين في العراق وأفغانستان، واليهود في إرهابهم للمسلمين في فلسطين، وراح السذَّج من المسلمين يطلقون هذا اللفظ على كل من يحلو لهم محاربته، وتنفير الناس منه، وقد يكونون مصيبين في الحكم على طائفة منهم، أو مجموعة، لكن ما بال تلك الدول الإرهابية، وتلك المنظمات العنصرية المجرمة قد نجت من الوصف بهذا اللفظ، وجُعل حكراً على المسلمين؟! .
وتشريعات الإسلام الربانية فيها ما يحافظ على عرض المسلم، ودمه، وماله، ومن أجل ذلك كان تحريم القتل، والسرقة، والزنا، والقذف، وجعلت الحدود المغلظة على من ارتكب تلك المحرمات، وقد يصل الأمر للقتل – كالزاني المحصن – حفاظاً على أعراض الناس.
وقد جاءت العقوبة مغلظة لمن أرهب الناس وأخافهم، مثل عصابات قطَّاع الطرق، ومن يفعل مثل فعلهم داخل المدينة، وهؤلاء هم الذين يسعون في الأرض فساداً، وقد حكم الله عليهم بأشد العقوبات كفّاً لشرهم، وحفظاً لأموال الناس ودمائهم وأعراضهم، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/ 33.
وأبلغ من ذلك: أن الإسلام حرَّم على المسلم إخافة أخيه، ولو مازحاً، فعن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه أنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِبًا وَلاَ جَادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ) رواه الترمذي (2160) وأبو داود (5003) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نبْلٍ مَعَهُ، فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ ، فَقَالُوا: لا، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) رواه أحمد (23064) - واللفظ له - وأبو داود (4351) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
ثانياً:
الإرهاب في الإسلام نوعان:
1. ممدوح: وهو تخويف العدو خشية اعتدائه على المسلمين، واحتلال ديارهم، ويكون ذلك بالاستعداد الكامل بالتسلح بالإيمان، والوحدة، والسلاح، وقد سبق في آية الأنفال ما يوضح أنه واجب على المسلمين.
والإسلام ليس بدعاً في هذا الأمر، فها هي ادول تتسابق في الصناعات العسكرية، وفي التسلح بالأسلحة التدميرية، وبإنشاء الجيوش الجرارة، وبعمل الاستعراضات العسكرية لجنودها وأسلحتها، وكل ذلك من أجل إظهار قوتها؛ لإخافة جيرانها، وأعدائها، من أن تسول لهم أنفسهم الاعتداء عليها.
2. مذموم: وهو تخويف من لا يستحق التخويف، من المسلمين، ومن غيرهم من أصحاب الدماء المعصومة، كالمعاهدين، والمستأمنين، وأهل الذمة.
وقد عرَّف " المجمع الفقهي الإسلامي " الإرهاب بأنه: " العدوان الذي يمارسه أفراد، أو جماعات، أو دول، بغياً على الإنسان (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه) ، ويشمل صنوف التخويف، والأذى، والتهديد، والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف، أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي، فردي، أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم، أو أحوالهم، للخطر، ومن صنوفه: إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق، والأملاك العامة، أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية، للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض، التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) القصص/ 77 " انتهى.
" الدورة السادسة عشر " بمكة المكرمة، من 21 إلى 26 / 10 / 1422هـ، الذي يوافقه من 5 إلى 10 / 1 / 2002 م.
وفي هذا البيان التنبيه إلى أمرين مهمين:
الأول: ذِكرهم وصف الكفار للإسلام بأنه دين إرهاب، وردهم عليه، ومما جاء فيه:
وقد لحظ أعضاء " المجمع " أن الحملات الإعلامية مدبرة، وهي تنطوي على أباطيل، وترهات، تنطلق من إعلام موتور، معادٍ، تسهم في توجيهه مؤسسات الإعلام الصهيوني؛ لتثير الضغائن، والكراهية، والتمييز، ضد الإسلام والمسلمين، وتلصق بدين الله الخاتم التهم الباطلة، وفي مقدمتها تهمة " الإرهاب ".
واتضح لأعضاء " المجمع " أن لصق تهمة الإرهاب بالإسلام عبر حملات إعلامية إنما هو محاولة لتنفير الناس من الإسلام، حيث يقبلون عليه، ويدخلون في دين الله أفواجاً.
ودعا أعضاء " المجمع " رابطة العالم الإسلامي، وغيرها من المنظمات الإسلامية، وكذلك عامة المسلمين إلى الدفاع عن الإسلام، مع مراعاة شرف الوسيلة التي تتناسب، وشرف هذه المهمة.
وبينوا في سياق ردهم على الافتراء على الإسلام، ولصق تهمة الإرهاب به: أن الإرهاب ظاهرة عالمية، لا ينسب لدين، ولا يختص بقوم، وهو سلوك ناتج عن التطرف الذي لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة، وأوضحوا أن التطرف يتنوع بين تطرف سياسي، وتطرف فكري، وتطرف ديني، ولا يقتصر التطرف الناتج عن الغلو في الدين على أتباع دين معين، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى غلو أهل الكتاب في دينهم، ونهاهم عنه، فقال في كتابه الكريم: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل) المائدة/ 77.
انتهى
والثاني: ذِكرهم أن من الإرهاب إرهاب الدول، والذي سكتت عنه وسائل الإعلام العالمية، ولم تفضح أهله، ومما جاء في البيان:
ويؤكد المجمع أن من أنواع الإرهاب: إرهاب الدولة، ومن أوضح صوره، وأشدها شناعة: الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين، وما مارسه " الصرب " في كلٍّ من البوسنة، والهرسك، وكوسوفا، واعتبر " المجمع " أن هذا النوع من الإرهاب: من أشد أنواعه خطراً على الأمن، والسلام في العالم، واعتبر مواجهته من قبيل الدفاع عن النفس، والجهاد في سبيل الله.
انتهى
ثالثاً:
أما الإرهاب عند الغرب: فهو ما نقرؤه، ونشاهده، من احتلالهم للدول الضعيفة، ونهبهم لخيراتها، وما نراه من التعذيب، والاغتصاب، والقتل، وكل ذلك موثق بالصوت والصورة، في وثائق لا يمكن إنكارها، وهو استمرار لتاريخهم القديم في احتلال الدول بالقوة، والبطش، والسلاح.
والعجيب حقّاً: أن الدول الغربية – وخاصة أمريكا – لم يضعوا إلى الآن تعريفاً للإرهاب! وواضح أنهم سيدينون أنفسهم بأي تعريف يختارونه، ولذلك جعلوا اللفظة مبهمة المعنى، ولا ينصرف معناها – بسبب ذلك – إلا على الإسلام والمسلمين! .
وهذا الغرب الكافر لا يرضى أن يقاومه أحد، ولا أن يسعى لطرده ذلك الشعب المحتل المقهور، فإذا ما قامت طائفة لطرده، وكف أذاه: سماها " طائفة إرهابية "! وسمَّى فعلهم إرهباً! .
وفي بيان لـ " المجمع الفقهي الإسلامي " التابع لـ " رابطة العالم الإسلامي " بشأن فلسطين والعراق جاء فيه:
الحمد لله رب العالمين والصلاة، والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بعد أن استعرض المجمع الأوضاع الخطيرة التي تتعرض لها الأقطار العربية والإسلامية، وفي طليعتها: فلسطين والعراق، بما تمارسه السلطات الإسرائيلية المحتلة في فلسطين من إرهاب دولة، حيث القتل للأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل، وحيث الاعتقالات العشوائية، والاغتيالات، والمداهمات، وتدمير البيوت على أصحابها، وتجريف الأراضي الزراعية، والحصارات العسكرية المستمرة للمدن والقرى والمخيمات، وفي طليعتها: مدينة القدس، مدينة الإسراء والمعراج، التي تمثل جزءاً من عقيدة وإيمان المسلمين، وحرمان أهل فلسطين من أداء الصلوات في المسجد الأقصى المبارك.
ومع هذا الإرهاب كله: تدَّعي إسرائيل السلام، وأن مجرمها رجل سلام! وأن الاستشهاديين المدافعين عن دينهم وأنفسهم وأرضهم وأعراضهم هم الإرهابيون! .
ولا شك أن هذه الممارسات العدوانية من الاحتلال الإسرائيلي: هو الإرهاب بعينه، وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية، كل ذلك يجري أمام مرأى ومسمع العالم كله، وبخاصة أمام الدول التي تدَّعي حماية الحرية، والديمقراطية، والمساواة، وحماية حقوق الإنسان.
وأن ما يهدد العراق الشقيق من عدوان أمريكي وبريطاني: إنما يستهدف شعبه المسلم، وأرضه الطيبة، وخيراته، دون الالتفات إلى نداءات المسلمين بالكف عن هذا العدوان الصارخ، وتجاهل القرارات الصادرة عن المنظمات العربية والإسلامية، الرسمية منها والشعبية، وتجاهل الدعوات التي تنطلق من الدول والشعوب المحبة للسلام، فإن هذا الموقف هو إنكار لجميع القيم والمواثيق الدولية في انتهاك حرمة الدول وأراضيها وشعوبها ... .
انتهى.
فتبين من خلال ما سبق تفاهة الحكم الصادر من قوى الشر والنهب على الإسلام بأنه دين إرهاب، وتبين أنهم تبع لأسلافهم في النيل من الإسلام بما هو كذب في واقع الحال، وأنهم أحق بهذا اللقب، وأولى به.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
الكفار من قديم يحاربون الإسلام، ويصفونه بأقبح الصفات؛ تنفيراً منه، (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة/ 32، ومن ذلك: وصفهم له بالإرهاب، والوحشية، وينسون أن الإرهاب، والوحشية، وقتل الشعوب، والتسلط على الخلق بغير الحق، وكل صفات الذم: إنما هي في دين الكفر، ومن صفات الكفار.
وكون بعض المنتسبين إلى الإسلام تصدر منهم بعض التصرفات الخاطئة - إما عن جهل أو عن قصد سيئ -: فإن ذلك لا ينسب إلى الإسلام؛ لأن الإسلام ينهى عن ذلك.
وطريق الخلاص من هذا الاتهام السيئ للإسلام: أن يُبَيَّن أن فعل هؤلاء الأشخاص ليس من الإسلام، وإنما هو تصرف شخصي، وأن كل مسلم فهو عرضة للخطأ، وليس هناك معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (1 / 416، السؤال رقم 247) .
وآخر كلام الشيخ حفظه الله هو جواب آخر كلام الأخ السائل وفقه الله، ونضيف إليه أنه يمكنه الاستعانة بشهادات المنصفين من الغرب بما قلناه من حقيقة الإسلام، وحقيقة أعدائه الذين يصفونه بالإرهاب وهم أولى بالوصف من غيرهم.
ومن ذلك ما قالته " آنا ماري شيمِّل ":
إنني لم أجد في القرآن، ولا في السنَّة أي أمر يدعو إلى الإرهاب، أو الاختطاف، أو نص يجيزهما، بل إن مدار الأخلاق في الإسلام هو القاعدة الذهبية.
انتهى
والله الموفق.
‰الإسلام سؤال وجواب