ƒـ[يقول تعالى عن القرآن إنه " بلسان عربي مبين " والكلمات: (عليون، سجين، مرقوم، أرائك، تسنيم) مأخوذة من العبرية كما في " الإتقان " للسيوطي (1 / 141 و 171) وهنالك العديد من ألفاظ الفارسية!! فكيف نفهم أنه بلسان عربي مبين وبه العديد من الألفاظ الأعجمية؟ .]ـ
^الحمد لله
أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن " كلام مركب من ألفاظ أعجمية " يعطي معنى من هذا التركيب.
وأجمعوا على أن في القرآن " أسماء أعلام أعجمية " مثل: نوح، ولوط، وإسرائيل، وجبريل.
قال القرطبي - رحمه الله - في " مقدمة تفسيره ":
لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب، وأن في القرآن أسماء أعلاماً لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط.
" تفسير القرطبي " (1 / 68) .
واختلفوا: هل فيه " ألفاظ أعجمية مفردة "؟ .
فذهب الجمهور إلى عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن، وذهب آخرون إلى وجودها، وتوسط طرف ثالث فتأول وجودها على أنها مشتركة بين العرب وغيرهم، وعلى أن العرب استعملوها وعرَّبوها فصارت تنسب إليهم، لا باعتبار أصلها، بل باعتبار استعمالها وتعريبها.
وممن نصر القول الأول، وهو عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن: الإمامان الجليلان: الشافعي والطبري، ووافقهما: أبو عبيدة، وابن فارس، وأكثر أهل اللغة، وهو الذي نصره وأيده: بدر الدين الزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن ".
ومن أدلتهم:
1. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء / 192 – 195] .
2. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} [الرعد / 37] .
3. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [الشورى / 7] .
4. وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف / 3] .
5. وقال تعالى: {قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر / 28] .
قال الإمام الشافعي – بعد أن ساق الآيات السابقة -:
" فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه، فقال تبارك وتعالى: {ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين} [النحل / 103] ، وقال: {ولو جعلناه أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي} [فصلت / 44] .
" الرسالة " (ص 46، 47) .
وذهب الإمام المفسر ابن عطية إلى القول الثاني: أن في القرآن بعض ألفاظ أعجمية، ووافقه بعض الفقهاء، وهو الذي نصره وأيده: جلال الدين السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن ".
ومن أدلتهم: ما وجد من ألفاظ أعجمية كإستبرق، وسندس، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث للناس كافة، فلا يمتنع وجود أكثر من لغة في القرآن، بل هو أبلغ في الإعجاز.
وردَّ الشافعي – وغيره – على هذا بالقول أن بعض الألفاظ قد تكون عند العرب، ويخفى هذا على المفسر، فيظنها أعجمية، وهذا لأن اللغة العربية أوسع اللغات لساناً وألفاظاً، وقال – رحمه الله - عبارته المشهورة " ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي ".
وردوا – كذلك – بأنه لا يمتنع أن تكون هذه الألفاظ مشتركة بين العرب وغيرهم، وهو أمر غير منكر قديما وحديثاً.
قال الطبري:
" ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فكيف بجنسين منها، كما قد وجدنا اتفاق كثير منهم فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس ". انتهى
والمذهب الثالث هو لبعض الباحثين، وهو يجمع بين القولين، فهو يقول: إن وجود بعض الألفاظ الأعجمية لا يُخرجه عن كونه عربيّاً؛ لأنها قليلة، والعبرة للأكثر، كما أن من يعرف كتابة اسمه فقط لا يُخرجه عن كونه أمِّيّاً، وأن هذه الألفاظ هي أعجمية في الأصل، عربية بالاستعمال والتعريب.
وبعد هذا العرض للأقوال يتبين أنه لا مجال للطعن في كتاب الله تعالى بمثل هذه الشبهة، وأنه لو كانت مجالاً للطعن في القرآن لما تركها أسلاف هؤلاء من مشركي مكة ومن بعدهم، وهم أهل لغة، ولم يتركوا مجالاً لأحدٍ للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب ربه إلا قالوه، وهو أنهم وجدوا هذه الشبهة قائمة لقالوها.
وللتوسع: ينظر " تفسير القرطبي " (1 / 68، 69) ، وكتاب " الإتقان " للسيوطي " و " البرهان " للزركشي ".
والله أعلم
‰الإسلام سؤال وجواب