ƒـ[مشكلتي تكمن باعتمادي على والدي منذ الصغر؛ فكان هو من يصرف عليَّ، وهو من كان يتكفل بكل شيء – ولم أوفق في إكمال تعليمي فقد توقفت عن التعليم بالصف الثاني متوسط، وبعد هذا كله أصر عليَّ والدي بالعمل معه بالتجارة، فوافقت، رغم عدم رغبتي بالعمل معه، إلا أني مع الوقت اعتدت على العمل، وأحببته بنسبة 60 %، وعملت معه بما يقارب (16) سنة متواصلة، دون انقطاع، وأيضاً: دون تطور واضح، أو أني أشعر أني أبليت بلاء حسناً، فكان والدي - جزاه الله خيراً - يصرف عليَّ كما يقال " بالقطارة "، وكنت أعمل في السنوات الأولى بلا راتب محدد، فقد كان يعطيني ما يكفي لمدة أسبوع، أو كي أكون منصفاً وصادقاً: ما يكفي (لشهر) ، ولكن هذا العطية لا تمكنِّي من التوفير أبداً. مرَّت الأيام، وقررت الزواج، وجزاه الله خيراً - والدي - تكفل بالزواج، وأسكنني في شقة في منزله، وهذا لا أنكره أبداً، ثم حدد لي مرتباً شهريّاً مقداره (2000) ريال , وبعد سنوات رفعه لي إلى 3000 ريال، ولكن كنت أشعر بعدم الرضا بعملي؛ وذلك بأن المرتب لا يفي بمتطلباتي الشخصية، والعائلية، وبعد مرور 3 سنوات بدأت أشعر بالإحباط؛ وذلك جرَّاء الإهانات من والدي، تصل في بعض الأحيان إلى الشتم، وتفضيل الغير عليَّ، وأن فلاناً أفضل منِّي، و: انظر إلى فلان أفضل منك ... الخ، أيضاً: الشعور بالإحباط بأن أرى أبي يهتم بالآخرين، ويحرص على إرضائهم، أما أنا: فلا تغيير واضح بالتعامل، غير ذلك يقوم والدي بتكليفي بمهمة في العمل، ويعدني بمكافأة إلا أنه يتراجع بقراره، ولا يفي لي بوعد، ويتحجج بعدم تذكره بهذا الوعد، أو يقول: إني كنت مقصراً بعملي، ويختلق الحجج ... الخ، وبعد هذا كله: قام بتخفيض مرتبي الشهري من 3000 إلى 2000 ريال، رغم أني رجل أبلغ من العمر الآن 37 سنة، ومتزوج، ولدي أبناء، ولدي مسؤوليات، وأنتم - بلا شك - تعلمون جيِّداً غلاء المعيشة في هذا الوقت، وكيف أن 2000 ريال شهريّاً لا تؤمِّن متطلبات شهر واحد، فكيف ستؤمِّن مستقبلاً واعداً؟ وكيف ستؤمن مستقبل الأبناء بالحاضر والمستقبل؟ . تراودني أفكار بالبحث عن عمل آخر، ولكن كلما أتذكر والدي أحزن عليه، وأخاف عليه أن يبقى وحده، حتى هو أشعر بتأثره، وأيضاً أشعر بغضبه حينما يعلم أني سوف أبحث عن عمل، فهو معتمد عليَّ بكل شيء، سواء بالعمل، أو بالمنزل، أو بما يتعلق بالعائلة، فأنا - كما يقول كل من يعرفنا - المحور الرئيسي بهذه العائلة، ويعتقدون أني أجني من وراء عملي هذا الخير الوفير، إلا أن الواقع غير ذلك، بل أشعر أن الخير الوفير فيه أني أُحسن - بإذن الله - لوالدي بما أستطيع، وأبره، ورغم كل ذلك لا أجني ما يجني إخوتي، فجميع إخوتي الذكور - وهم أصغر مني، وأنا الأكبر - بوظائف طيبة، وأقل مرتب فيهم 5000 ريال شهريّاً، وغير متزوجين، أما أنا فراتبي: 2000 ريال. أعلم أن هذا مقدر لي، وأن الله سبحانه وتعالى قدر أرزاق العباد، وأن لكل إنسان رزقه، وقدره، وأجله ... الخ، والله يشهد عليَّ أني مؤمن بذلك، وقابل، وراض بما كتب الله لي، ولا يكتب الله للإنسان إلا كل خير، والحمد الله على كل حال، ولكن الإنسان بطبعه ضعيف، وينحني، أو يميل في بعض الأحيان إلى أمور الدنيا، بحيث ينظر إلى الصديق، أو القريب، أو جميع من حوله، ويقول: لماذا لا أكون بمثل صفاتهم: يلبسون أحسن الثياب، ويركبون أفضل السيارات، ويجلبون لأبنائهم كل ما يرغبون ... الخ إلا أنا؟! فأنا اشعر في بعض اللحظات أني استسلمت للأمر الواقع، فليس لديَّ وظيفة مرموقة، وليس لدي شهادة دراسية تؤهلني للعمل بمرتب طيب أعيل به أسرتي على أكمل وجه، ولا مال - أو سيولة = أبدأ به مشروعاً طيِّباً. الخلاصة: الآن وقد زاد الأمر سوءً، ومتطلبات عائلتي زادت، وأشعر بأن الدنيا فوق رأسي، لا أكاد أتحمل وزنها، وأصبح الهمُّ رفيقي، والقلق، والاكتئاب، والإحباط يتناوبون عليَّ، ويتناوبون على زيادة همي، ومع هذا كله قررت أن أعمل بعمل آخر، وأن أبحث عن عمل يغيِّر واقع هذا الزمان: فإني أشعر بأي لحظة قد أفقد زوجتي فهيَ دائماً تحثني على العمل، والبحث عن العمل وهي موظفة، وتجني راتباً طيباً يعادل مرتبي 3 مرات، وتساعدني بأمور المنزل، بل تصرف على المنزل أكثر مما أصرف أنا فيه، ولكن لا بد أن يكون للرجل كرامته، وعزته بنفسه، أعلم بأنه لا مانع من مساعدة الزوجة زوجها بأمور هذه الدنيا، ولكن الأمر يختلف إن كنت أنا مَن يعيل الأسرة، ويلبي حاجاتها، وبعد فترة من الزمن ذهبتْ زوجتي إلى بيت أسرتها هرباً من فقر زوجها، ولعدم رضاها بهذا الواقع، وأشعر بداخلي أنها على حق، وهي كذلك، وكيف لا تذهب لبيت أسرتها؟ وهي ترى جميع أخواتها الفتيات المتزوجات، ويسكنون بمنزل ملك، ويركبون أفضل السيارات، ويقتنون أفضل الوسائل للراحة، وهي لا تملك ذلك. المهم في الاستشارة: كلما أردت - أو عزمت - على البحث عن عمل أشعر بخوف، ورهبة، من المستقبل، وخوف من الإخفاق، وعدم التوفيق، وذلك - كما ذكرت سابقاً - أني أعتمد منذ السابق على والدي، ولم يسبق لي العمل باستقلالية، بل إن والدي جعلني أعتمد عليه بكل شي، واستخدم هذه النقطة - والله أعلم - لصالحه، والآن وجدت مشروعاً طيِّباً، وبعد السؤال عن هذا المشروع وجدت فيه خيراً كثيراً، ولله الحمد، ولكن أشعر برهبة قوية بداخل أعماقي، وقمت بالاستخارة، واستخرت الله سبحانه علام الغيوب بأمري، وشعرت بالراحة له بنسبة 50 %، والباقي أجد الهم، والحيرة، والخوف، والرهبة من الإخفاق، وكي أوضح لكم الصورة هي أن العمل هو: سيارة نقل، بأن أنقل البضائع، أو السيارات، وكل ما يُحمل، وأوصله إلى المناطق المجاورة، أو لمناطق بعيدة، فالبعض - حتى إخوتي - يعايروني بهذا المهنة، حتى والدي كان من أوائل قائمة المستهزئين بي لهذا العمل، ويقولون: كيف تعمل بمهنة لا يعمل بها إلا العمالة الوافدة؟ إلا أني أجدها مهنه شريفة، أكسب منها رزقي، وأعيل بها أسرتي، وأسأل الله بها التوفيق والسداد، فما رأيكم بها كمهنة؟ وما هو الحل من وجهة نظركم بحالي ووضعي؟ وماذا أفعل وكيف أتصرف؟ وهل أكون عاقّاً لوالدي إذا عملت بعمل آخر بعيداً عنه؟ فإني أخاف الله من ذلك بان أكون عاقّاً له، وأسأل الله أن أكون خير من يبر بوالديه؟ .]ـ
^الحمد لله
أولاً:
مِن كمال الإيمان: أن يرضى المسلم بما قسم الله له من أمر دنيوي، كرزق، وعمل، ووظيفة ,، ومن تمام شكر النعمة: أن لا ينظر المسلم إلى من فوقه، ومن فضِّل عليه في أمر الدنيا، حتى لا يزدري نعمة الله عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِى الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ) .
رواه البخاري (6125) ومسلم (2963) .
وفي لفظ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) .
رواه البخاري (6490) ومسلم (2963)
ولا يعني ذلك أن يستسلم لأمره الواقع إن كان لا يرضاه، أو يمكنه تحصيل ما هو خير منه لدينه ودنياه، بل عليه أن يدفع قدر الله بقدر الله، فيبحث عن وسائل سعة الرزق، ويدفع الفقر بأسباب الغنى، من عمل، وتجارة، ووظيفة.
ثانياً:
برُّ الوالدين حسنة عظيمة , وقربة جليلة، ينال بها العبد رضى الله، وتوفيقه في الدنيا والآخرة , ويصرف الله بها عن العبد من البلاء، والشرور، والرزايا، والبلايا، ما الله به عليم , ولذلك عظم الله حق الوالد، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) .
رواه مسلم (1510) .
قال النووي – رحمه الله -:
أي: لا يكافئه، بإحسانه، وقضاء حقه، إلا أن يعتقه.
" شرح مسلم " (10 / 153) .
وليس من العقوق أن تخرج من العمل من عند والدك لتبحث عن عمل أفضل، ووظيفة أحسن؛ ما دمت تحسن إلى والدك، ولا تقصر تجاهه , خاصة إذا كانت أسرتك بحاجة إلى ذلك، وكان العمل الآخر أصلح لك وأنفع. ولعل بحثك عن وظيفة يغير من اتجاه الوالد نحوك؛ فيشعر بحاجته إليك، فيزيد في راتبك، ويحسِّن من وضعك المعيشي.
ثالثاً:
الخوف من المستقبل: من علامة ضعف التوكل على الله تعالى , والمؤمن قوي الإيمان لا يعطي من عمره وقتاً ليحمل هموم ما يأتي في غد، وليس يعني هذا عدم الأخذ بالأسباب لبناء مستقبل مريح، فقد كان النبي صلى الله عليه يدَّخر أحياناً قوت سنَة لأهله، وإنما أردنا أن يتحلى المؤمن بقوى الإيمان ليدفع عن نفسه وقلبه الخوف، والقلق، مما يأتيه في المستقبل.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) .
رواه مسلم (2664) .
فالمؤمن قي بتوكله، وقوي باستعانته بالله تعالى خالقه , وما يشعر به المسلم من ضعف، أو خوف: إنما هو من وسوسة الشيطان، وتثبيطه له , والواجب على المؤمن دفع هذه الوسوسة بدعائه، واستعانته بالله، وحسن توكله عليه.
فاستخر الله تعالى في العمل الذي ترغب بالالتحاق به , فإن انشرح صدرك، وتيسر أمر ذلك العمل: فأقدم، ولا تتردد، واستعن بالله تعالى.
وانظر جواب السؤال رقم: (20088) .
رابعاً:
العمل كسائق في نقل البضائع ليس من المهن الدنيئة , وليس عيباً على الرجل العمل بها , وإن اختص بها الوافدون في بلدكم؛ فالرعي يستنكف عنها كثير من الناس , وقد عمل بها الأنبياء والمرسلون، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ) ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) .
رواه البخاري (2143) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – أيضاً - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّاراً) .
رواه مسلم (2379) .
وقد أخبر الله تعالى عن داود عليه السلام أنه كان يعمل في صنع الدروع للمحاربين، وأن هذا من تعليم الله له، قال تعالى: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) الأنبياء/ 80.
بل لعل ما تنوي العمل به أن يكون من أفضل المكاسب؛ لأنها كسب من عمل يدك , وفي الحديث عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) .
رواه البخاري (1966) .
فالنصيحة لك أخي الفاضل:
أ. أن تحاول أن تكلِّم والدك بالحسنى، والكلمة الطيبة، أن يرفع راتبك , وأن يحسن وضعك، ما دمت تؤدي الذي عليك، ولا تقصر فيه , وأن تلجأ إلى الله تعالى أن يشرح صدره ويهديه لذلك،
فإن لم يستجب لذلك، ووجدت أن ما تتقاضاه لا يكفيك: فلا بأس أن تعمل بأي عمل آخر، كسائق، أو غير ذلك؛ لتحسين وضعك المعيشي، وليس هذا من العقوق , ولا تستنكف عن العمل كسائق ما دام العمل لا يدخل فيه حرام، أو شبهة , فأكل المرء من عمل يده من أطيب الكسب، وأفضله، وإن وجدت عملاً أنسب لك، ويوافق عليه والدك وإخوتك: فنرى أن تلتحق به، وأن يكون هو اختيارك؛ لتجمع بين العمل، ورضى أهلك عنك، فمن الممكن أن يسبب لك العمل سائقاً إحراجاً بين أولادك، وأقربائك، وقد لا تستطيع دفعه، فتتعقد أمورك النفسية، أما من حيث الجواز الشرعي: فهو جائز، وهو ليس معيباً بحد ذاته، ولا هو بمهنة دنيئة، لكن نرى أن مراعاة رضى أهلك، وعرف المكان الذي تعيش فيه أمرا مهما، وأنت لا تريد مخالفتهم، بل تريد عملاً تقتات منه، ويحسِّن من وضعك، فابحث عن عمل يتناسب مع بيئتك، ولك أن تتملك سيارات نقل – لا سيارة واحدة – وتستأجر أجراء ليقوموا عليها، ويكون دخلها محسِّناً لوضعك، دون الحاجة لأن تباشر سياقتها بنفسك.
وإن أمكنك أن تستفيد من خبرتك في العمل مع والدك، وأن تعمل بالتجارة: فلعل هذا أن يكون أنسب لك.
ب. ادفع خوفك من المستقبل بحسن توكلك، وإقبالك على الله تعالى، وأكثر من التضرع، والالتجاء إليه، فهو حسبك، وكافيك.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافيك وأن يوسع لك في الرزق , ويصرف عنك الخوف , وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه , وأن يشرح صدر والدك لتحسين وضعك.
والله أعلم
‰الإسلام سؤال وجواب