ƒـ[أنا عمري 33 سنة متزوج ولدي أربعة بنات، ومشكلتي هي عندما تزوجت وجدت زوجتي غير بكر، واعترفت بخيانتها فسامحتها وتابت، ومع مرور السنين وجدتها على غفلة تحادث في الانترنت مع عدة رجال، وبكت كثيرا واعترفت أنها لم تلتق بأي أحد منهم، فسامحتها مرة أخرى، لأن قلبي كبير وأسامح كل من يأخذ حقي، وكل من يظلمني أسامح الكل، ومع مرور بعض من الوقت بدأ حلم يراودني في المنام على أن زوجتي تخونني، فقلت لها ماذا تفعلي؟ فقالت على أنه حلم فقط، لكن أنا متأكد من هذا الحلم على أنه حقيقة، وبدأ نفس الحلم يراودني كل يوم، حتى بين لي الله حقي، فوجدت في هاتفها شخص باسم فتاة فلما واجهتها اعترفت على أنها على علاقة مع شخص آخر. والله حسيت كأن الموت جاءني، فبدأت تبكي وندمت ندما شديدا فسامحتها من أجل بناتي، ولكن الآن لا أحبها ولا أثق بها لقد حطمت حياتي. علما أن القانون عندنا أنها هي التي تأخذ البنات إن طلقتها. فمن أجل بناتي ضحيت بحياتي، من أجل أن لا يمسهم شر. وسؤالي هل علي إثم على هذه المسامحة؟ هل لا تزال هذه المرأة تصلح للزواج؟ هل لي أمل في الحياة مرة اخرى؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
^الحمد لله
أولا:
إن من أعظم ما تجنيه المرأة على زوجها، وترتكبه في حقه أن تفسد فراشه بزناها، فتخلط ماءه بماء نجس خبيث من الزنا، ولهذا كان زنا الزوجة عارا على الزوج وشينا له، وسوءا في حقه.
قال ابن القيم رحمه الله:
" الزِنى من المرأة أقبحُ منه بالرجل، لأنها تزيد على هتكِ حقِّ الله: إفسادَ فراشِ بعلها، وتعليقَ نسبٍ من غيره عليه، وفضيحةَ أهلها وأقاربها، والجناية على محض حق الزوج، وخيانته فيه، وإسقاط حرمته عند الناس، وتعييره بإمساك البغى، وغير ذلك من مفاسد زناها". انتهى. زاد المعاد (5/377) .
ثانيا:
قد استقر في الفطر أنفة الرجل من أن يتزوج زانية، ولأجل ذلك حرم نكاح الزانية حتى تتوب من زناها. جاء في الإقناع وشرحه:
" وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ إذَا عُلِمَ زِنَاهَا عَلَى الزَّانِي وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} .. " انتهى. " كشاف القناع" (5/82) .
فإذا تبين الزوج زنا زوجته، بعد أن تزوجها، وتبين له أنها لم تتب من ذلك؛ حرم عليه إمساكها، بل كان إمساكها ـ حينئذ ـ دياثة، يأنف منها كل ذي مروءة.
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ طَلَعَ إلَى بَيْتِهِ، وَوَجَدَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَوَفَّاهَا حَقَّهَا وَطَلَّقَهَا؛ ثُمَّ رَجَعَ وَصَالَحَهَا وَسَمِعَ أَنَّهَا وُجِدَتْ بِجَنْبِ أَجْنَبِيٍّ؟
فَأَجَابَ:
" فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يَدْخُلُك بَخِيلٌ وَلَا كَذَّابٌ وَلَا دَيُّوثٌ} " وَالدَّيُّوثُ " الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَإِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ} وَقَدّ قَالَ تَعَالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَزْنِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ بَلْ يُفَارِقُهَا وَإِلَّا كَانَ دَيُّوثًا ". انتهى. " مجموع الفتاوى (32/141) .
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ أيضا عَمَّنْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ يَطَؤُهَا وَلَا يُحْصِنُهَا؟ فَأَجَابَ:
" هُوَ دَيُّوثٌ " وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ ". وَاَللَّهُ أَعْلَم. انتهى.
"مجموع الفتاوى" (32/143) .
ثالثا:
ما ذكرته من مسامحتك في حقك، وعفوك عمن ظلمك: هو صفة طيبة حسنة، لكن ذلك إنما يحمد حيث لا يكون هناك هناك انتهاك لحرمات الله، ولا قبول بالخنا والفساد في نفسك وأهل بيتك، فإن هذا مما استقر في الفطر النفور منه، وذم فاعله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} الْآيَةُ: نَهَى تَعَالَى عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ فِي الْعُقُوبَاتِ عُمُومًا، وَفِي أَمْرِ الْفَوَاحِشِ خُصُوصًا؛ فَإِنَّ هَذَا الْبَابَ مَبْنَاهُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَالرَّأْفَةِ الَّتِي يُزَيِّنُهَا الشَّيْطَانُ، بِانْعِطَافِ الْقُلُوبِ عَلَى أَهْلِ الْفَوَاحِشِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآفَةِ فِي الدِّيَاثَةِ وَقِلَّةِ الْغَيْرَةِ، إذَا رَأَى مَنْ يَهْوَى بَعْضَ الْمُتَّصِلِينَ بِهِ، أَوْ يُعَاشِرُهُ عِشْرَةً مُنْكَرَةً، أَوْ رَأَى لَهُ مَحَبَّةً أَوْ مَيْلًا وَصَبَابَةً وَعِشْقًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ رَأَفَ بِهِ، وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِنْ رَحْمَةِ الْخَلْقِ، وَلِينِ الْجَانِبِ بِهِمْ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ دياثة وَمَهَانَةٌ، وَعَدَمُ دِينٍ وَضَعْفُ إيمَانٍ، وَإِعَانَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَتَرْكٌ لِلتَّنَاهِي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَتَدْخُلُ النَّفْسُ بِهِ فِي الْقِيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الدياثة " انتهى.
"مجموع الفتاوى (15/287-288) .
ولتعلم يا عبد الله أنه ليس كل عفو عن الناس يكون خيرا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس حلما وعفوا، لكن كان ذلك ينتهي عند حدود الله، فلا عفو فيها، ولا عدوان عليها.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) .
رواه البخاري (6853) ومسلم (2328) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" العفو المندوب إليه ما كان فيه إصلاح؛ لقوله تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40] ؛ فإذا كان في العفو إصلاح، مثل أن يكون القاتل معروفاً بالصلاح؛ ولكن بدرت منه هذه البادرة النادرة؛ ونعلم، أو يغلب على ظننا، أنا إذا عفونا عنه استقام، وصلحت حاله، فالعفو أفضل، لا سيما إن كان له ذرية ضعفاء، ونحو ذلك؛ وإذا علمنا أن القاتل معروف بالشر والفساد، وإن عفونا عنه لا يزيده إلا فساداً وإفساداً: فترك العفو عنه أولى؛ بل قد يجب ترك العفو عنه ". انتهى. " تفسير القرآن " (4/247) .
ولا شك أن التجارب السابقة لهذه المرأة تدل على أنها فاسدة، غير مأمونة على بيتك وعرضك، وعلى تربية أولادك، فلا يحل لك أن تمسكها، وهي على هذه الحال؛ وإذا كانت قد أظهرت الندم والتوبة، فلا نرى لك أن تأمنها بعدما أظهرت، ثم عادت وخانت، وأمرها ـ في صدق توبتها ـ بينها وبين ربها.
وأما بناتك: فاجتهد أن تأخذهم منها بأي طريقة، ولو بتهديدها، ورفع الأمر إلى أهلها، أو بالصلح معها على مقابل، أو ما يتيسر لك. المهم أن تسعى في الخلاص منها، واستبقاء بناتك معك أنت. ونسأل الله أن يخلف لك خيرا منها.
والله أعلم.
‰الإسلام سؤال وجواب