ƒـ[تعرضت العديد من الدول لبعض الزلازل مثل تركيا والمكسيك وتايوان واليابان وبلدان أخرى.. فهل لهذا أي دلالات؟.]ـ
^الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم فيما يقضيه ويقدره، كما أنه حكيم عليم فيما شرعه وأمر به، وهو سبحانه يخلق ما يشاء من الآيات، ويقدرها؛ تخويفا لعباده، وتذكيرا لهم بما يجب عليهم من حقه، وتحذيرا لهم من الشرك به، ومخالفة أمره وارتكاب نهيه، كما قال الله سبحانه: " وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " الإسراء: 59، وقال عز وجل: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " فصلت: 53، وقال تعالى: " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض " الأنعام: 65.
وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما نزل قول الله تعالى: " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " قال: (أعوذ بوجهك) " أو من تحت أرجلكم " قال: (أعوذ بوجهك) . صحيح البخاري 5/193.
وروى أبو الشيخ الأصبهاني عن مجاهد في تفسير هذه الآية: " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " قال: الصيحة والحجارة والريح. " أو من تحت أرجلكم " قال: الرجفة والخسف.
ولا شك أن ما حصل من الزلازل في هذه الأيام في جهات كثيرة هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد ويسبب لهم أنواعا من الأذى، كله بسبب الشرك والمعاصي، كما قال الله عز وجل: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " الشورى: 30، وقال تعالى: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " النساء: 79، وقال تعالى عن الأمم الماضية: " فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " العنكبوت: 40.
فالواجب على المكلفين من المسليمن وغيرهم، التوبة إلى الله سبحانه، والاستقامة على دينه، والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور، وحتى يدفع الله عنهم كل بلاء، ويمنحهم كل خير، كما قال سبحانه: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " الأعراف: 96، وقال تعالى في أهل الكتاب: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " المائدة: 66، وقال تعالى: " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون (97) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون (98) أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون " الأعراف: 97-99.
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - ما نصه: " وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه، والندم، كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: إن ربكم يستعتبكم. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زلزلت المدينة، فخطبهم ووعظهم، وقال: لئن عادت لا أساكنكم فيها " انتهى كلامه رحمه الله.
والآثار في هذا المقام عن السلف كثيرة..
فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والريح الشديدة والفيضانات - البدار بالتوبة إلى الله سبحانه، والضراعة إليه، وسؤال العافية، والإكثار من ذكره واستغفاره، كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف: " فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره " جزء من حديث متفق عليه أخرجه البخاري (2/ 30) ومسلم (2/ 628) .
ويستحب أيضا رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ارحموا ترحموا " أخرجه الإمام أحمد (2/165) ، " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " أخرجه أبو داود (13 / 285) والترمذي (6/43) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: " من لا يرحم لا يرحم " أخرجه البخاري (5/75) ومسلم (4/1809) ، وروي عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه كان يكتب إلى أمرائه عند وجود الزلزلة أن يتصدقوا.
ومن أسباب العافية والسلامة من كل سوء مبادرة ولاة الأمور بالأخذ على أيدي السفهاء، وإلزامهم بالحق، وتحكيم شرع الله فيهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الله عز وجل: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " التوبة:71، وقال عز وجل: " ولينصن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " الحج: 40 - 41، وقال سبحانه: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه " الطلاق: 2-3، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: " من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته " متفق على صحته البخاري (3/98) ومسلم (4/1996) ، وقال عليه الصلاة والسلام: " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " أخرجه مسلم (4/2074) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يمنحهم الاستقامة عليه، والتوبة إلى الله من جميع الذنوب، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين جميعا، وأن ينصر بهم الحق، وأن يخذل بهم الباطل، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في عباده، وأن يعيذهم وجميع المسلمين من مضلات الفتن، ونزغات الشيطان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
‰عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - مجلة البحوث الإسلامية العدد 51 عام 1418 هـ.