بطلان نسبة كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة رحمه الله

ƒـ[هل كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة الدينوري من تأليفه أم منسوب إليه كما يقال في بعض المنتديات ويحذرون من التعامل معه بحذر شديد؟ وهل آخذ معلوماته بعين الصحة أم أرفضه كله؟ إذا كان الرفض لجميع الكتاب فكيف أصبح مصدرا هاما عند كثير من المؤرخين المعاصرين؟ أما إذا كان الرفض لبعضه فهل هناك نسخة صحيحة منه؟ أو هل يوجد من بين من المؤرخين الصحيح فيه والمكذوب؟]ـ

^الحمد لله

كتاب الإمامة والسياسة لا يصح نسبته لابن قتيبة رحمه الله، وقد بين ذلك عدد من الباحثين وساقوا أدلة ظاهرة على ذلك.

قال الشيخ الدكتور علي نفيع العلياني حفظه الله في كتابه "عقيدة الإمام بن قتيبة" عن كتاب الإمامة والسياسة: " وبعد قراءتي لكتاب الإمامة والسياسة قراءة فاحصة ترجح عندي أن مؤلف الإمامة والسياسة رافضي خبيث , أراد إدماج هذا الكتاب في كتب ابن قتيبة نظرًا لكثرتها ونظرًا لكونه معروفًا عند الناس بانتصاره لأهل الحديث , وقد يكون من رافضة المغرب , فإن ابن قتيبة له سمعة حسنة في المغرب , ومما يرجح أن مؤلف الإمامة والسياسة من الروافض ما يلي:

* أن مؤلف الإمامة والسياسة ذكر على لسان علي رضي الله عنه أنه قال للمهاجرين: (الله الله يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم , ولا تدفعوا أهله مقامه في الناس وحقه , فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت , ونحن أحق بهذا الأمر منكم.. والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله) . ولا أحد يرى أن الخلافة وراثية لأهل البيت إلا الشيعة.

* أن مؤلف الإمامة والسياسة قدح في صحابة رسول الله قدحًا عظيمًا فصور ابن عمر رضي الله عنه جبانًا , وسعد بن أبي وقاص حسودًا , وذكر محمد بن مسلمة غضب على علي بن أبي طالب لأنه قتل مرحبًا اليهودي بخيبر , وأن عائشة رضي الله عنها أمرت بقتل عثمان. والقدح في الصحابة من أظهر خصائص الرافضة , وإن شاركهم الخوارج , إلا أن الخوارج لا يقدحون في عموم الصحابة.

* أن مؤلف الإمامة والسياسة يذكر أن المختار بن أبي عبيد قتل من قبل مصعب بن الزبير لكونه دعا إلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر خرافاته وادعاءه الوحي , والرافضة هم الذين يحبون المختار بن أبي عبيد لكونه انتقم من قتلة الحسين , مع العلم أن ابن قتيبة رحمه الله ذكر المختار من الخارجين على السلطان وبين أنه كان يدعي أن جبريل يأتيه.

* أن مؤلف الإمامة والسياسة كتب عن خلافة الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان خمسًا وعشرين صفحة فقط , وكتب عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة مائتي صفحة , فقام المؤلف باختصار التاريخ الناصع المشرق وسود الصحائف بتاريخ زائف لم يثبت منه إلا القليل , وهذه من أخلاق الروافض المعهودة , نعوذ بالله من الضلال والخذلان " انتهى.

وقال الشيخ مشهور حسن سلمان في كتابه "كتب حذر منها العلماء" (2/298-301) : " الإمامة والسياسة: كتاب مكذوب على ابن قتيبة ـ رحمه الله تعالى ـ، وعلى الرغم من ذلك؛ فهو مصدر هام عند كثير من المؤرخين المعاصرين، ويجب التعامل مع هذا الكتاب بحذر شديد؛ إذ حوى مغالطات كثيرة، ولذا؛ شكك ابن العربي من نسبة جميع ما فيه لابن قتيبة.

والأدلة على عدم صحة نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة كثيرة. منها:

1. أن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكروا هذا الكتاب بين ما ذكروه له، اللهم إلا القاضي أبا عبد الله التوزي المعروف بابن الشباط، فقد نقل عنه في الفصل الثاني من الباب الرابع والثلاثين من كتابه (صلة السمط) .

2. أن الكتاب يذكر أن مؤلفه كان بدمشق. وابن قتيبة لم يخرج من بغداد إلا إلى دينور.

3. أن الكتاب يروى عن أبي ليلى، وأبو ليلى كان قاضياً بالكوفة سنة (148هـ) أي قبل مولد ابن قتيبة بخمس وستين سنة.

4. أن المؤلف نقل خبر فتح الأندلس عن امرأة شهدته، وفتح الأندلس كان قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة.

5. أن مؤلف الكتاب يذكر فتح موسى بن نصير لمراكش، مع أن هذه المدينة شيدها يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين سنة (455هـ) وابن قتيبة توفي سنة (276هـ) .

6. أن هذا الكتاب مشحون بالجهل والغباوة والركة والكذب والتزوير؛ ففيه أبو العباس والسفاح شخصيتان مختلفتان، وهارون الرشيد هو الخلف المباشر للمهدي، وأن الرشيد أسند ولاية العهد للمأمون، وهذه الأخطاء يتجنبها صغار المؤرخين، فضلاً عمن هو مثل ابن قتيبة الذي قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: (…. وكان أهل المغرب يعظمونه ويقولون: من استجاز الوقيعة فيه يتهم بالزندقة، ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه لا خير فيه) .

7. أن مؤلف (الإمامة والسياسة) يروي كثيراً عن اثنين من كبار علماء مصر، وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ من هذين العالمين؛ فدل هذا على أن الكتاب مدسوس عليه.

وقد جزم بوضع الكتاب على ابن قتيبة غير واحد من الباحثين، من أشهرهم:

1- محب الدين الخطيب في مقدمة كتاب ابن قتيبة (الميسر والقداح) ص 26-27.

2- ثروت عكاشة في مقدمة كتاب ابن قتيبة (المعارف) ص 56.

3- عبد الله عسيلان في سالة صغيرة مطبوعة بعنوان (كتاب الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي) ، ساق فيها اثني عشر دليلاً على بطلان نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة.

4- عبد الحميد عويس في كتابه (بنو أمية بين الضربات الخارجية والانهيار الداخلي) ص 9-10.

5- سيد إسماعيل الكاشف في كتابه (مصادر التاريخ الإسلامي) ص33.

6- وقد قُدِّمت في الجامعة الأردنية كلية الآداب عام 1978م رسالة ماجستير عنوانها (الإمامة والسياسة دراسة وتحقيق) ، قال الباحث فيها: وعلى ضوء هذه الدراسة؛ فقد تبين أن ابن قتيبة الدينوري بعيد عن كتاب (الإمامة والسياسة) ، وبنفس الوقت؛ فإنه لم يكن بالإمكان معرفة مؤلف الكتاب، مع تحديد فترة وفاته بحوالي أواسط القرن الثالث الهجري، 7- وقد جزم ببطلان نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة أيضاً السيد أحمد صقر في مقدمة تحقيقه لـ (تأويل مشكل القرآن) ص32؛ فقال: (كتاب مشهور شهرة بطلان نسبته إليه) ، ثم قال بعد أن ساق بعض الأدلة الآنفة الذكر: (إن هذا وحده يدفع نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة، فضلاً عن قرائن وأدلة أخرى كلها يثبت تزوير هذه النسبة) . وإلى هذا ذهب الحسيني في رسالته (ص77-78) ، والجندي في كتابه عن ابن قتيبة (169-173) ، وفاروق حمادة في (مصادر السيرة النبوية) ص91، وشاكر مصطفى في (التاريخ العربي والمؤرخون) (1/241-242) ، والله الموفق " انتهى.

وإذا كان الكتاب لا يعرف مؤلفه، وفيه من الانحراف والضلال ما مر عليك، فلا وزن له ولا قيمة، وفي كتب التاريخ المعروفة غنية وكفاية.

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (105660) .

والله أعلم.

‰الإسلام سؤال وجواب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015