ƒـ[ما هي الأسباب المعينة على الدعوة , والتخلص من تلبيسات الشيطان أثناء الدعوة كاليأس والجبن والكسل وغيرها؟]ـ
^الحمد لله
بالتأمل في عوائق اليأس والجبن والكسل - وهي من أخطر العوائق التي تواجه الدعاة - يمكن اقتراح علاجين اثنين مهمين يعينان على مواجهة هذه التحديات:
أولا:
تذكر ما عند الله عز وجل من أجر عظيم وفضل كبير، فمن أيقن أن الله تعالى هو الذي تكفل له بالأجر والثواب، وأنه عز وجل ينظر إليه وهو يدل عليه ويرشد الناس إليه، لم يتردد يوما ولا لحظة في الاستمرار بسعيه، والاجتهاد في طريقه، وتجاوز كل ما يدعو إلى اليأس والكسل والجبن، والداعية الحكيم هو الذي لا تغيب عن خاطره الآيات التي تبشر الدعاة ومعلمي الناس الخير، كقوله عز وجل: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) التوبة/112، وكقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/30-33.
ثانيا:
قراءة سير الدعاة إلى الله تعالى، والتركيز على سيرة سيد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك للاطلاع على شيء من علو همم هؤلاء الدعاة العظام، والاقتباس من نورهم، والاقتداء بهديهم، وكيف أنهم لم يكسلوا ولم يجبنوا ولم ييأسوا، بل كان شعار الجميع ما قاله صلى الله عليه وسلم حين ظن ملك الجبال أنه صلى الله عليه وسلم يئس من قومه فعرض عليه أن يهلكهم بأمر الله، فأجابه صلى الله عليه وسلم جواب الواثق المطمئن: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795)
فأي يأس يبقى بعد أن يرى الداعية هذه الهمة العظيمة، وأي جبن يبقى بعد أن يقرأ ما لقيه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان والعلماء الكرام في سبيل إيصال هذه الشريعة النقية إلينا اليوم، ألم يُقتل الآلاف من خيرة الناس في هذا السبيل، ألم يعذب مثلهم من الصالحين، ألم يُبتل بالسجن والحرمان من لا يحصيهم إلا الله، فأي فضل يرجو مَن يقعد في بيته، ويتكاسل عن نشر دين الله ونصرة الحق والعدل في الأرض، أيظن أنه يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، أم يظن أن الموازين يوم القيامة تبخس الناس أعمالهم، وقد سبقتنا قرون سابقة من الهمم العالية في هذا المضمار، فمن اطلع على سيرهم، ووقف على أخبارهم انبعثت نفسه للعمل، وقامت همته كما قامت همم الأوائل، وقد قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: (فلا نامت أعين الجبناء) رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق ".
يقول الدكتور سيد العفاني حفظه الله:
" قال أحمد بن داود أبو سعيد الواسطي:
دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب، فقلت له في بعض كلامي: يا أبا عبد الله: عليك عيال، ولك صبيان، وأنت معذور. كأني أسهل عليه الإجابة، فقال لي أحمد بن حنبل: إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت!!
وما أكثر ما يقال مثل هذا للدعاة اليوم، وما أكثر من يفهم الإسلام ثم يحدث نفسه بمثل هذا، فيجبن وينزوي ولا يشارك الدعاة سيرهم، وإنما هو حديث من استراح، كما يقول الإمام أحمد، وأما من لدغ واقعُ المسلمين قلبَه فأنَّى له الراحة؟! وأنَّى يَدَعُ لصبيانه وزوجه تخذيله وتقييده عن الاندفاع للدعوة لدين الله؟
وهل الموت إلا بآجال؟
(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) آل عمران/145.
إن عهد الدعوة لن يقدم أجلا، ولكنه يرفع إلى الفراديس.
فإن لم يكن المسلم مع أحمد، أو مع ورثة أحمد، وقعد لعذر أو شبه عذر فإنه مطالب بالأسف وازدراء نفسه على الأقل، ألا يكون مع القوم الدعاة العاملين، كما قيل للزاهد بشر بن الحارث الحافي يوم تعذيب أحمد بن حنبل: قد ضرب أحمد بن حنبل إلى الساعة سبعة عشر سوطا، فمد بشر رجله وجعل ينظر إلى ساقيه ويقول: ما أقبح هذا الساق؛ أن لا يكون القيد فيه نصرة لهذا الرجل.
إن المسلم الصادق إن عذر نفسه وأفتاها بالتخلف عن ركب الدعاة خوفا من الفتنة وبطش الطغاة، " أو لنوع ضرورة أو ضعف يدريه من نفسه، أو شبهة، عرف ما يوجبه ذلك من التواضع وترك التطاول على الدعاة، ويظل يتهم نفسه في اجتهاده، ويمنح الصابرين المقتحمين المتجردين للدعوة لسانا جميلا، يكون لهم فيه نوع سلوة وراحة، وأما أسير هواه فيجادل ويثرثر، ويقذف لسانه بكل لفظ صلب ألا يوصف بتخلف، فيجمع بجداله نقصا إلى نقص والعياذ بالله " انتهى.
" صلاح الأمة في علو الهمة " (2/100-102)
وانظر فصلا مهما بعنوان: " كيف تعلو الهمم " من المجلد السابع من كتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " (ص/285- 367) ، فقد ذكر فيه ثلاثة وثلاثين سببا معينا على علو الهمة وتجاوز أسباب العجز والكسل.
وننصحك ـ أخانا الكريم ـ بقراءة فصل علو الهمة في الدعوة إلى الله، (2/5-141) ، وأيضا: رسالة "الحَوْر بعد الكَوْر"، لفضيلة الشيخ محمد بن عبد الله الدويش، حفظه الله، ورسالة "عجز الثقات"، لفضيلة الشيخ الدكتور محمد موسى الشريف، حفظه الله.
‰الإسلام سؤال وجواب