هل يدعو الشيطان المحتضر لليهودية والنصرانية؟ ما معنى " فتنة الممات "؟

ƒـ[هل صحيح أن من فتن القبر تشكل شيطانين في صورة الوالدين وقولهما إنا اتبعنا اليهودية والنصرانية فأدخلَنا الله الجنة؟ وهل هو قبل نزول منكر ونكير؟.]ـ

^الحمد لله

ليس على هذا القول دليل من الكتاب والسنة، بل هو من أقوال بعض أهل العلم، وليس هو في القبر، بل عند الاحتضار قبل قبض الروح، وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا داخل في "فتنة المحيا".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" وعرض الأديان على العبد عند الموت ليس عاما لكل أحد , ولا هو أيضاً منفي عن كل أحد، بل من الناس من لا تعرض عليه الأديان , ومنهم من تعرض عليه، وذلك كله من فتنة المحيا التي أمرنا الرسول أن نستعيذ في صلاتنا منها، ووقت الموت يكون الشيطان أحرص ما يكون على إغواء بني آدم " انتهى من "الاختيارات" (ص 85) .

ولا يزال الشيطان حريصاً على إغواء الإنسان ما دامت روحه في جسده، فيأتيه ويوسوس له ويزين له الباطل.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال إبليس: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.

رواه أحمد (10974) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب " (1617) .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من " فتنة المحيا والممات "، وندب المصلين إلى الاستعاذة منها قبل السلام من الصلاة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال) رواه البخاري (1311) ومسلم (588) .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

" قوله: " ومن فتنة المحيا والممات " معطوفة على " من عذاب جهنم "، والمراد بالفتنة: اختبار المرء في دينه؛ في حياته وبعد مماته، وفتنة الحياة عظيمة وشديدة، وقلَّ من يتخلَّص منها إلا مَنْ شاء الله، وهي تدور على شيئين:

1 – شُبُهات.

2 – شهوات.

أما الشُّبُهات: فتعرض للإنسان في عِلْمِه ِ، فيلتبس عليه الحقُّ بالباطل، فيرى الباطل حقًّا، والحقَّ باطلاً، وإذا رأى الحقَّ باطلاً تجنَّبه، وإذا رأى الباطلَ حقّاً فَعَلَهُ.

وأمَّا الشَّهوات فتعرض للإنسان في إرادته، فيريد بشهواته ما كان محرَّماً عليه، وهذه فتنة عظيمة، فما أكثر الذين يرون الرِّبا غنيمة فينتهكونه! وما أكثر الذين يرون غِشَّ النَّاسِ شطارةً وجَودةً في البيع والشِّراء فيغشُّون! وما أكثر الذين يرون النَّظَرَ إلى النساء تلذُّذاً وتمتُّعاً وحرية، فيطلق لنفسه النظر للنساء! بل ما أكثر الذين يشربون الخمر ويرونه لذَّة وطرباً! وما أكثر الذين يرون آلاتِ اللهو والمعازف فنًّا يُدرَّسُ ويُعطى عليه شهادات ومراتب!

وأما فتنة الممات: فاختلف فيها العلماءُ على قولين:

القول الأول: إن " فتنة الممات ": سؤال الملَكَين للميِّت في قَبْرِه عن ربِّه، ودينه ونبيِّه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه أُوحِيَ إليَّ أنكم تُفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة المسيح الدَّجَّال) ، فأمَّا مَنْ كان إيمانُه خالصاً فهذا يسهل عليه الجواب.

فإذا سُئل: مَنْ ربُّك؟ قال: ربِّي الله.

مَنْ نبيُّك؟ قال: نبيِّي محمَّد.

ما دينك؟ قال: ديني الإسلام، بكلِّ سُهولة.

وأما غيره - والعياذ بالله - فإذا سُئل قال: هاه ... هاه ... لا أدري؛ سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.

وتأمل قوله: " هاه ... هاه ... " كأنه كان يعلم شيئاً فنسيه، وما أشدَّ الحسرة في شيء علمتَه ثم نسيتَه؛ لأن الجاهل لم يكسب شيئاً، لكن النَّاسي كسب الشيء فخسره، والنتيجة يقول: لا أدري مَنْ ربِّي، ما ديني، مَنْ نبيي، فهذه فتنة عظيمة؛ أسألُ الله أن ينجِّيني وإيَّاكم منها، وهي في الحقيقة تدور على ما في القلب، فإذا كان القلب مؤمناً حقيقة: يرى أمور الغيب كرأي العين، فهذا يجيب بكلِّ سُهولة، وإن كان الأمر بالعكس: فالأمر بالعكس.

القول الثاني: المراد بـ " فتنة الممات ": ما يكون عند الموت في آخر الحياة، ونصَّ عليها - وإنْ كانت مِن فتنة الحياة - لعظمها وأهميتها، كما نصَّ على فِتنة الدَّجَّال مع أنها مِن فتنة المحيا، فهي فِتنة ممات؛ لأنها قُرب الممات، وخصَّها بالذِّكر لأنها أشدُّ ما يكون؛ وذلك لأن الإنسان عند موته ووداع العمل صائر إما إلى سعادة، وإما إلى شقاوة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أحدَكُم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنَّة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتابُ؛ فيعملُ بعملِ أهل النَّارِ) فالفتنة عظيمة.

وأشدُّ ما يكون الشيطانُ حرصاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة، والمعصومُ مَنْ عَصَمَه الله، يأتي إليه في هذه الحال الحرجةِ التي لا يتصوَّرها إلا من وقع فيها، قال تعالى: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ. وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) القيامة/26– 30، حال حرجة عظيمة، الإنسانُ فيها ضعيفُ النَّفْسِ، ضعيفُ الإِرادة، ضعيفُ القوَّة، ضيقُ الصَّدر، فيأتيه الشيطانُ ليغويه؛ لأن هذا وقت المغنم للشيطان، حتى إنه كما قال أهل العلم: قد يعرضُ للإِنسان الأديان اليهودية، والنصرانية، والإسلامية بصورة أبويه، فيعرضان عليه اليهودية والنصرانية والإسلامية، ويُشيران عليه باليهودية أو بالنصرانية، والشيطان يتمثَّلُ كُلَّ واحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه أعظم الفِتَن ِ.

ولكن هذا - والحمد لله - لا يكون لكلِّ أحدٍ، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وحتى لو كان الإنسان لا يتمكَّن الشيطان من أن يَصِلَ إلى هذه الدرجة معه، لكن مع ذلك يُخشى عليه منه.

يقال: إنَّ الإمام أحمد وهو في سكرات الموت كان يُسمَعُ وهو يقول: بعدُ، بعدُ، فلما أفاق قيل له في ذلك؟ قال: إنَّ الشيطان كان يعضُّ أنامله يقول: فُتَّني يا أحمد، يعضُّ أنامله ندماً وحسرة كيف لم يُغوِ الإمام أحمد! فيقول له أحمد: بعدُ، بعدُ، أي: إلى الآن ما خرجت الرُّوح، فما دامت الرُّوح في البدن فكلُّ شيء وارد ومحتمل، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) آل عمران/8، في هذه الحال فتنة عظيمة جدّاً، ولهذا نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم عليها قال: " مِن فِتنة المحيا والممات ".

فالحاصل: أنَّ فتنة الممات فيها تفسيران:

التفسير الأول: الفتنة التي تكون عند الموت.

والثاني: التي تكون بعد الموت، وهي سؤال الملكين الإنسان عن رَبِّه ودينه ونبيِّه.

ولا مانع بأن نقول: إنَّها تشمَلُ الأمرين جميعاً، ويكون قد نصَّ على الفتنة التي قبل الموت وعند الموت؛ لأنَّها أعظم فتنة تَرِدُ على الإنسان، وذكر ما يُخشى منها من سوء الخاتمة إذا لم يُجِرِ اللَّهُ العبد من هذه الفتنة.

وعلى هذا ينبغي للمتعوِّذ مِن فِتنة الممات أن يستحضر كلتا الحالتين.

" الشرح الممتع " (3 / 185 – 188) .

والله أعلم.

‰الإسلام سؤال وجواب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015