ƒـ[أمي مسيحية، وأبي مسلم سيئ، وأريد - إن شاء الله - أن أهاجر - فقط – إن شاء الله ـ لبلد مسلم، فهل من الجائز، أو من الواجب عليَّ تركهما حتى أقوم بواجباتى تجاه الله؟ .]ـ
^الحمد لله
أولاً:
كل من يعيش في بلاد لا يستطيع فيها القيام بشعائر الإسلام، وبما أوجبه الله عليه: فلا يحل له البقاء فيها، مع توفر بلاد أخرى يستطيع فيها القيام بذلك، ويتحتم ذلك إن كان البدل الذي يعيش فيه من بلاد الكفر، ورأس مال المسلم هو دينه، فيجب الحفاظ عليه، وعدم التفريط فيه، وإذا اختار البقاء في البلاد التي لا يستطيع إظهار دينه والقيام بما أوجبه الله عليه، مع استطاعته الخروج منها إلى بلاد المسلمين: فهو آثم على بقائه، وعلى تفريطه في الواجبات الشرعية، ولن يكون من المعذورين يوم الحساب فيما فرط فيه من دينه.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97.
قال القرطبي – رحمه الله -:
والمراد بقوله (ألم تكن أرض الله واسعة) : المدينة، أي: ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن كان يستضعفكم؟ وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يُعمل فيها بالمعاصي.
" تفسير القرطبي " (5 / 346) .
وقال ابن كثير – رحمه الله -:
وقال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وخرجوا مع المشركين يوم بدر، فأصيبوا فيمن أصيب، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص هذه الآية، حيث يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي: بترك الهجرة، (قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة؟ (قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ) أي: لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذهاب في الأرض (قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً [فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 389) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كنتَ تستطيع الانتقال إلى بلاد المسلمين: فإنه يجب عليك ذلك؛ فراراً بدينك؛ لأن الله سبحانه قد أوجب على المسلم الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وتوعد من لم يفعل ذلك، وهو قادر عليه، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97.
وأما إذا كنت لا تستطيع الهجرة: فإنك معذور، بشرط التمسك بدين الإسلام، والثبات عليه؛ لقوله تعالى بعد الآية السابقة: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً) النساء/ 98، 99.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 57، 58) .
وقالوا – أيضاً -:
لا تجوز الإقامة في بلد يحال فيه بين المسلم وإظهاره شعائر الإسلام وإعلانها، فعلى من يستطيع الهجرة أن يهاجر منه إلى بلد يتمكن فيها من إقامة شعائر دين الإسلام وإعلانها، ويتم له التعاون مع المسلمين على البر والتقوى، ويكثر به سواد المسلمين، وسوف لا يعدم رزقاً؛ فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً، ومن بقي في تلك الأماكن وأمثالها مما فيه حجر على المسلمين في إعلان شعائر دينه، بعد قدرته على الهجرة منه: فهو آثم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 54، 55) .
ومن هاجر في سبيل الله تعالى فراراً من الفتن، وإقامة لشعائر الدين: فإن الله قد وعده بالهداية والتوفيق والرزق.
قال تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) النساء/100.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال/74.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) النحل/41.
وقال تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل/110.
وانظر جواب السؤال رقم: (3225) ففيه بيان المواصفات الواجب توافرها في البلاد المهاجر إليها.
ثانياً:
بالنسبة لوالديك: فإنه إن كان وجودك عندهما يمنعك من إقامة شعائر دينك، والقيام بما أوجبه الله تعالى عليك: فإنه لا يجب عليه الاستئذان منهما، وبخاصة أن والدتك كافرة، ووالدك إن كان لا يصلي ـ البتة ـ فهو يلحق بها في الحكم؛ لأنه يكون بتركه للصلاة مرتداً، وقد نصَّ العلماء أن الذي يُستأذن هما الأبوان المسلمان، وحتى لو كانا مسلميْن: فإنه لا ينبغي اختيار البقاء معهما على حساب القيام بالواجبات الشرعية؛ لأن الهجرة تصير في حقك واجبة.
عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا.
رواه البخاري (1671) ومسلم (2549) .
قال الخطابي – رحمه الله -:
إن كان الخارج فيه متطوعاً: فإن ذلك لا يجوز إلا بإذن الوالدين، فأما إذا تعيَّن عليه فرض الجهاد: فلا حاجة إلى إذنهما، هذا إذا كانا مسلميْن، فإن كانا كافريْن: يخرج بدون إذنهما، فرضاً كان الجهاد، أو تطوعا.
انظر " عون المعبود " (5 / 424) .
وفي " دليل الفالحين لطرُق رياض الصالحين " (2 / 463) لمحمد بن علان الصديقي – رحمه الله -:
أسقط الشارع عنه وجوب الهجرة تقديماً لحق أبويه، فإن الهجرة إن كانت واجبة عليه: فقد عارضها ما هو أوجب منها، وهو حق الوالدين، وإن لم تكن واجبة: فالواجب أولى، لكن هذا إنما يصح ممن يسلم له دينه في موضعهما، أما لو خاف على دينه: وجب عليه الفرار به، وترك آبائه، وأبنائه، كما فعل المهاجرون الذين هم صفوة الله من العباد.
انتهى.
ولا ننسى في النهاية أن نذكرك بدعوة والديك للحق، فهما أحوج ما يكون لذلك؛ إنقاذاً لهما من الكفر والإثم، وعليك سلوك الطرق الحكيمة في دعوتهما، وبما أنك تحتاج للهجرة من أجل دينك، ولا يظهر أن والديك يحتاجانك، وهما على ما هما عليه من الكفر والضلال: فلا تتحرج من الهجرة لبلاد تنقذ بها نفسك، مع ضرورة التنبه لدعوة أهلك، والإحسان إليهم، وحتى لو سافرت وهاجرت فلا تقطع الصلة بهما، وداوم على دعوتهما، فلعل الله أن ينقذهما بك.
والله أعلم
‰الإسلام سؤال وجواب