ƒـ[أنا قصير النظر، وألبس نظارة طبية، من المواصفات التي رغبت أن تتحقق في شريكة حياتي أن يكون نظرها سليماً، حتى يقع توازن بين نظرينا، بعد عقدي على زوجتي اكتشفتُ أنها تضع عدسة لاصقة على إحدى عينيها تستعين بها على ضعف بصرها وحَوَلِ عينها، ظننته نقصاً قليلاً قد يُقوَّم بالليزر، لكن بعد شهور طويلة حملتْ بغلام، وعرضتُها على طبيبة مختصة، أخبرتني - بعد أن أجرت لها تحليلات - بأن ضعفها شديد في العين التي تضع عليها عدسة لاصقة، وأنه يستحيل إجراء تقويم لعينها بالليزر، رزقت منها بغلام، وحين بلوغه سن العامين عرضته على الطبيبة نفسها، فوجدتْ عنده ضعفاً بصريّاً شديداً، وهو يضع نظارة إبصار الآن، أخاف الآن من حملٍ جديدٍ يحمل الجنين فيه الإصابة نفسها، أخبركم أني غير سعيد في هذا الزواج، أحس بأن زوجتي قد خدعتني حين لم تخبرني بعيبها، أنا دائم الحزن، وكثير التفكير بطلاقها، لكن أخاف على مصيرها، ومصير ولدي الصغير، أعلمكم أني ما قدمت على هذا الزواج حتى استخرت الله بقوة، وسألته سبحانه أن لا يكلني إلى نفسي طرفة عين في هذا الاختيار، لكن وقع ما وقع، وقدَّر الله وما شاء فعل، أشيروا عليَّ حفظكم الله، فأنا في حيرة شديدة.]ـ
^الحمد لله
أولاً:
الذي نشير به عليك أن تمسك عليك زوجك، وأن تتقي الله تعالى فيها، وأن تُحسن وإياها تربية أولادكم، فتنشئة الأولاد على طاعة الله تعالى، وإحسان تربيتهم من خير ما يقدمه المرء لنفسه بين يدي قدومه على ربه عز وجل، والإنسان لا يدري أين الخير له ولأهله ولأسرته، وقد يكون أعظم الخير فيما صرفه عنه ربه تعالى، وقد تكون الفتنة والبلاء فيما يحب أن يكون له، وفيما تشتهيه نفسه أن يتملكه، ومنه ما نحن بصدده، فكل الناس يتمنى لنفسه ولذريته جمال الصورة، وهذا لا شك أنه غير مخالف للشرع، فهو تمنٍّ مباح، لكن إذا قدَّر الله تعالى شيئاً آخر: فليس أمام المسلم إلا الرضا بتصوير الله تعالى، ولا يدري ماذا صرف الله تعالى عنه وعن ذريته بعدم جمال الصورة، من الفتنة، والغرور، والإعجاب بالنفس، ولذا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى لا يثيب ولا يعاقب على خِلقتنا، إنما الثواب والعقاب على العمل والأخلاق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) .
رواه مسلم (2564) .
وانظر إلى ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من آثار جمال الصورة، كيف أدى بصاحبه إلى الإعجاب بنفسه، ثم صار إلى هلاك دنيوي، وأخروي.
عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .
رواه البخاري (5452) ومسلم (2088) .
وقد جاء التنبيه على ما قدمنا به كلامنا في كتاب الله تعالى عامّاً مرة، وخاصّاً بالزوجة مرة أخرى، فقال الله تعالى في الأولى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة/ من الآية 216، وقال في الثانية: (عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/ 19
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –:
أي: فعَسَى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن فيه، خير كثير لكم في الدنيا والآخرة، كما قال ابن عباس في هذه الآية: هو أن يَعْطف عليها، فيرزقَ منها ولداً، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الحديث الصحيح: (لا يَفْرَك – أي: لا يُبغض - مؤمنٌ مؤمنةً، إن سَخِطَ منها خُلُقاً رَضِيَ منها آخر) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 243) .
ثانياً:
نفيدك أن العيب الذي وجدته في زوجتك لو أنه كان من العيوب التي تجيز لك فسخ النكاح والرجوع بما دفعته لها: لما جاز لك المطالبة بحقك الآن؛ فإنه قد سقط هذا الحق برضاك به، وصبرك عليه، وتحملك له، فكيف إذا علمتَ أن في كونه من العيوب التي تبيح لك فسخ النكاح والرجوع بما دفعته خلافاً بين العلماء، والصحيح من أقوال العلماء أن العيوب المنفِّرة هي التي تكون لها تلك الأحكام، دون ما عداها، وقد اتفقوا على سقوط ذلك الحق بعد العلم به، والرضا بوجوده.
وللوقوف على كلام أهل العلم في هذا: انظر جواب السؤال رقم (103411) .
هذا الذي نشير به عليك، وقد شرع الله لك الطلاق، فإن كنتَ تريد إمساكها بمعروف، وإعطاءها حقوقها، ونزع الندم والحزن من حياتك، كما نرجوه منك، ونأمله فيك إن شاء الله: فخذ بما نصحناك به، وأكثر من الإنجاب ووكِّل الأمر للخالق سبحانه، ولا تلتفت لكلام الأطباء، فصفات الذرية من لغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله.
وإن كان إمساكك لها سيجدد عندك الندم، والحزن، ولن تعطيها حقوقها: فلا يحل لك إمساكها، بل يجب عليك تطليقها، ووجب عليك إعطاءها حقوقها المالية جميعها.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) -:
أي: ينبغي لكم - أيها الأزواج - أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن؛ فإن في ذلك خيراً كثيراً، من ذلك: امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة، ومنها: أن إجباره نفسَه - مع عدم محبته لها - فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة، وربما أن الكراهة تزول، وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك، وربما رزق منها ولداً صالحاً نفع والديه في الدنيا والآخرة.
وهذا كله مع الإمكان في الإمساك، وعدم المحذور، فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل: فليس الإمساك بلازم.
" تفسير السعدي " (ص 172) .
والله أعلم
‰الإسلام سؤال وجواب