فَهُوَ يَقْرَؤُهُ وَيَلْتَذُّ بِهِ، وَيَغْتَرُّ بِاسْتِلْذَاذِهِ وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ لَذَّةُ مُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَمَاعُ كَلَامِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ لَذَّتُهُ فِي صَوْتِهِ فَلْيَتَفَقَّدْ قَلْبَهُ وَلْيَخْشَ رَبَّهُ.

وَفِرْقَةٌ اغْتَرُّوا بِالصَّوْمِ وَرُبَّمَا صَامُوا الدَّهْرَ أَوِ الْأَيَّامَ الشَّرِيفَةَ وَهُمْ فِيهَا لَا يَحْفَظُونَ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ الْغِيبَةِ، وَخَوَاطِرَهُمْ عَنِ الرِّيَاءِ، وَبَوَاطِنَهُمْ عَنِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ، وَأَلْسِنَتَهُمْ عَنِ الْهَذَيَانِ بِأَنْوَاعِ الْفُضُولِ طُولَ النَّهَارِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُظَنُّ بِنَفْسِهِ الْخَيْرَ فَيُهْمِلُ الْفَرَائِضَ وَيَطْلُبُ النَّفْلَ ثُمَّ لَا يَقُومُ بِحَقِّهِ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْغُرُورِ.

وَفِرْقَةٌ اغْتَرُّوا بِالْحَجِّ فَيَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنِ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَاسْتِرْضَاءِ الْوَالِدَيْنِ وَطَلَبِ الزَّادِ الْحَلَالِ، وَقَدْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بَعْدَ سُقُوطِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَيُضَيِّعُونَ فِي الطَّرِيقِ الصَّلَاةَ وَالْفَرَائِضَ، وَلَا يَحْذَرُونَ مِنَ الرَّفَثِ وَالْخِصَامِ، ثُمَّ يَحْضُرُ الْبَيْتَ بِقَلْبٍ مُلَوَّثٍ بِذَمِيمِ الْأَخْلَاقِ لَمْ يُقَدِّمْ تَطْهِيرَهُ عَلَى حُضُورِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى خَيْرٍ مِنْ رَبِّهِ فَهُوَ مَغْرُورٌ.

وَفِرْقَةٌ جَاوَرُوا بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَاغْتَرُّوا بِذَلِكَ وَلَمْ يُرَاقِبُوا قُلُوبَهُمْ وَلَمْ يُطَهِّرُوا ظَاهِرَهُمْ وَبَاطِنَهُمْ، فَقُلُوبُهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِبِلَادِهِمْ مُلْتَفِتَةٌ إِلَى قَوْلِ مَنْ يَعْرِفُهُ: إِنَّ فُلَانًا مُجَاوِرٌ بِمَكَّةَ، وَتَرَاهُ يَقُولُ: قَدْ جَاوَرْتُ بِمَكَّةَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً. ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يُجَاوِرُ وَيَمُدُّ عَيْنَ طَمَعِهِ إِلَى أَوْسَاخِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَيَظْهَرُ فِيهِ الرِّيَاءُ وَجُمْلَةٌ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ كَانَ عَنْهَا بِمَعْزِلٍ لَوْ تَرَكَ الْمُجَاوَرَةَ، وَلَكِنَّ حُبَّ الْمَحْمَدَةِ، وَأَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مِنَ الْمُجَاوِرِينَ أَلْزَمَهُ الْمُجَاوَرَةَ مَعَ التَّضَمُّخِ بِهَذِهِ الرَّذَائِلِ فَهُوَ أَيْضًا مَغْرُورٌ.

وَفِرْقَةٌ زَهِدَتْ فِي الْمَالِ وَقَنَعَتْ مِنَ اللِّبَاسِ وَالطَّعَامِ بِالدُّونِ، وَمِنَ الْمَسْكَنِ بِالْمَسَاجِدِ أَوِ الْمَدَارِسِ، وَظَنَّتْ أَنَّهَا أَدْرَكَتْ رُتْبَةَ الزُّهَّادِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ رَاغِبٌ بِالرِّيَاسَةِ وَالْجَاهِ إِمَّا بِالْعِلْمِ أَوْ بِالْوَعْظِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الزُّهْدِ، فَقَدْ تَرَكَ أَهْوَنَ الْأَمْرَيْنِ وَبَاءَ بِأَعْظَمِ الْمُهْلِكَيْنِ، فَهَذَا مَغْرُورٌ إِذْ ظَنَّ أَنَّهُ مِنَ الزُّهَّادِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى الدُّنْيَا، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ مُنْتَهَى لَذَّاتِهَا الرِّيَاسَةُ، وَأَنَّ الرَّاغِبَ فِيهَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُنَافِقًا وَحَسُودًا وَمُتَكَبِّرًا وَمُرَائِيًا وَمُتَّصِفًا بِجَمِيعِ خَبَائِثِ الْأَخْلَاقِ. وَقَدْ يُؤْثِرُ الْخَلْوَةَ وَالْعُزْلَةَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَغْرُورٌ، إِذْ يَتَطَاوَلُ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الِاسْتِحْقَارِ، وَيُعْجَبُ بِعَمَلِهِ وَيَتَّصِفُ بِجُمْلَةٍ مِنْ خَبَائِثِ الْقُلُوبِ، وَرُبَّمَا يُعْطَى الْمَالَ فَلَا يَأْخُذُهُ خِيفَةً مِنْ أَنْ يُقَالَ بَطَلَ زُهْدُهُ، فَهُوَ رَاغِبٌ فِي حَمْدِ النَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَلَذِّ أَبْوَابِ الدُّنْيَا، وَيَرَى نَفْسَهُ أَنَّهُ زَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مَغْرُورٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَرُبَّمَا لَا يَخْلُو عَنْ تَوْقِيرِ الْأَغْنِيَاءِ وَتَقْدِيمِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَالْمَيْلِ إِلَى الْمُرِيدِينَ لَهُ وَالْمُثْنِينَ عَلَيْهِ، وَالنَّفْرَةِ عَنِ الْمَائِلِينَ إِلَى غَيْرِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ خُدْعَةٌ وَغُرُورٌ مِنَ الشَّيْطَانِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ.

وَفِي الْعُبَّادِ مَنْ يُشَدِّدُ عَلَى نَفْسِهِ فِي أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَلَا يَخْطُرُ لَهُ مُرَاعَاةُ الْقَلْبِ وَتَفَقُّدُّهُ وَتَطْهِيرُهُ مِنَ الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَسَائِرِ الْمُهْلِكَاتِ، وَيَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ لِعَمَلِهِ الظَّاهِرِ وَأَنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015